الدكتور هاني سويدان، الطبيب الرائع، الذي غادر دنيانا، بعد أن أسهم في علاج وتطبيب الكثيرين من أبناء دبي، فمنذ أن التحق بعيادة الممزر، ارتبط به سكان المنطقة كباراً وصغاراً، كلهم يعرضون أنفسهم عليه، لما يلقونه منه من ترحيب وبشاشة وجه، وسعة صدر، وعلى وجه الخصوص، كبار السن، رجالاً ونساء.

كان يتواصل معهم، يحضر مناسباتهم، ويشاركهم أحزانهم وأفراحهم، تجده في المقابر أو مجالس العزاء يواسي، إن توفي صديق. كان يشجع مرضاه على الاعتناء بصحتهم، والحرص على الفحوصات الدورية. لقد كان لي ارتباط وثيق به، واتصالات دائمة، يطمئن على صحتي وصحة أولادي الذين كانوا من مراجعيه منذ الصغر، كان كثيراً ما يعاتبني كلما تأخرت عن موعد الفحوصات الدورية.

ذات يوم، أخبرني بأنه سيترك العيادة، ويتحول للتدريس بكلية الشيخ محمد بن راشد الطبية، فرددت عليه، سنخسرك طبيباً معالجاً، لكننا سنربحك معلماً ومربياً للأجيال، حتماً ستؤثر فيهم بعلمك ومعاملتك، وستنطبع شخصيتك في تكوينهم.. فرد علي، سأذهب للتعليم، لكنني سأحرص على أن أرتبط بعيادة في غير أوقات الدوام الأكاديمي.

ترك عيادة الممزر، لكنه استمر في تواصله، وكانت رسائله النصية لا تنقطع، ففي صباح يوم الجمعة، تأتيني منه رسالة مباركة ودعاء. وكانت آخر رسالة، بتاريخ الثامن من أكتوبر الحالي، وفي الجمعة التالية، لم يصلني شيء منه، فظننت أنه خارج الدولة.

لكن المفاجأة، أنني في صباح يوم الاثنين الماضي، وجدت رسالة من هاتفه، قلت ليس من عادته أن يبعث في غير يوم الجمعة، وعندما فتحت الرسالة، صدمت لأنها تحمل نعيه، لا حول ولا قوة إلا بالله، الموت حق، ولكن الرحيل بهذه الصورة مزعج، لأنه يتم بعيداً عن الأهل، وتساءلت، هل عرف كل مرضاه وأصدقاؤه وطلبته بهذا، وهل سيأتون لتشييعه والصلاة عليه. كان من الواجب أن أحضر، وفاء لحق الأخوة والصداقة التي ربطت بيننا.

وعندما وصلت إلى المقبرة، وجدت مجاميع من الناس، حيث كانت خمس جنائز في ذلك الوقت، وكان عدد المشيعين يفوق الثلاثمئة شخص، من بينهم أخوه الدكتور أشرف، وبعض مسؤولي هيئة الصحة بدبي، وزملاؤه الأطباء، كلهم صلوا عليه، وعلى الجنائز الأخرى، ودعوا لهم بالرحمة والغفران، وبعد الانتهاء من الدفن، نادى أخوه، من كان له دين على المرحوم فليخبرنا، فقلت له، الدين له هو في أعناق من كان سبباً في علاجهم وتطبيبهم. رحمك الله يا هاني، نم في قبرك هانئاً، مع عملك الصالح، وإنسانيتك التي غمرت بها الجميع.