كلما زادت الضائقة على الناس، انقسم البشر في علاجها إلى قسمين: أولهما عادة ينظر إلى الأغنياء مطالباً بالعدالة التي تعني عملياً إعادة توزيع الثروة؛ وثانيهما يطالب الجميع بالعمل وزيادة الجهد والابتكار حتى يتجاوز الإنسان الغمة. وفي العامين الأخيرين استبدت ببني آدم ضائقتان:

أزمة كورونا التي لم تترك بلداً إلا مسته بالمرض والألم؛ وأزمة المناخ التي راحت تضرب الدول بالحرائق والفيضانات والأعاصير، والتهديد بالغرق نتيجة ارتفاع مياه البحار والمحيطات التي جاءت من ذوبان جبال الجليد في قطبي الكرة الأرضية.

النتيجة كانت تراجعاً كبيراً في النمو الاقتصادي، والكثير من البطالة وما هو أكثر منه التخبط والحيرة في التعامل مع واقع لم يعرفه البشر من قبل نتيجة العزلة، والعمل من المنزل، وافتقاد الأصدقاء والعائلات، وتقاليد الجنازات والزيجات أيضاً. لم يعد بالقدرة الاحتضان والقبل خوفاً من فيروس حار الناس في أمره وقدرته على التحور والتحول.

كيف يتعامل البشر مع هذه الأوضاع الكونية الصعبة؟ اتجهت الإجابة عن السؤال إلى الدولة في الداخل والنظام الدولي في الخارج فكان البحث وتصنيع اللقاحات المتعددة، ومن بعدها كان البحث وتصنيع العلاج الذي يشفي. وفي ضائقة المناخ وافق المجتمع الدولي على التقليل من الانبعاثات الحرارية.

هنا فرضت التكلفة نفسها على الدول الغنية، وأكثر من ذلك على الدول الفقيرة، وفي الحالتين كان للسياسة ميادين جديدة حول الحفاظ على قدر من حيوية النظام الاقتصادي - المحلي والدولي - بحيث لا يسقط في البئر العميقة للكساد الكبير الذي ألم بالعالم في 1929 والذي قاد في النهاية إلى الحرب العالمية الثانية.

لا أحد يعرف كيف جاءت الفكرة بتمويل الإصلاحات المحلية والدولية، وسبل الخروج من «الجائحة» والتعامل مع الاحتباس الحراري، ولكن مثل هذه الأفكار ذائعة في العادة.

منها كما هو معلوم يرى في الأغنياء عامة مقصداً للتمويل، ولما كانت الشركات الرقمية (آبل ومايكروسوفت وجوجل وفيسبوك أو ميتافيرس وأمازون كلها تخطت تريليون دولار من ناحية القيمة السوقية) فإن الاقتراح الدولي راح وراء قيام الدول بفرض ضرائب بنسبة 15 % على هذه الشركات التي تتعدى قدراتها غالبية دول العالم.

ولكن الأمر الآن يتعدى ذلك بكثير، ولذا امتد البصر إلى أغنياء العالم من المليارديرات الذين لديهم القدرة والمصلحة العامة لشركاتهم إذا ما سلمت الكرة الأرضية وسكانها يكون في ذلك سلامتهم واتساع سوقهم أيضاً. المسألة الحسابية هي على الوجه التالي: يوجد في العالم 2755 مليارديراً، وثروتهم الكلية قدرها 13.2 تريليون دولار، 1% ضرائب من ذلك يكون 130 مليار دولار.

الصندوق الذي تصورته الأمم المتحدة لمعاونة الدول النامية على التعامل مع الاحتباس الحراري وتجنب الغرق قيمته 100 مليار دولار. الأغنياء يمكنهم تغطية التكلفة المطلوبة ويبقى ما يسهم في التعامل مع الفيروس التاجي؛ وعلى أي الأحوال فإن بعضهم مستعد بالفعل لما هو أكثر.

«إيلون ماسك» الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» قفزت ثروته فجأة بما مقداره 29 مليار دولار، فأصبح يتصدر أغنياء العالم بقيمة سوقية قدرها 281 مليار دولار. ماسك أبدى استعداده بالفعل لتقديم 2% من ثروته أو 6 مليارات دولار للإسهام في القضاء على الجوع في العالم، وهو القضية المتوقع لها أن تحتدم بفعل «الجائحة» والاحتباس.

هل يقوم الأغنياء والمليارديرات بحل تلك المعضلات الكبرى التي يتعرض لها الكوكب، ومعه البشر جميعهم؟ الإجابة لها أصولها في فكر الكرم والإحسان والتكافل الاجتماعي والتي وإن ساعدت الإنسان على الصبر واحتمال الألم فإنها لم يسبق أن حلت معضلة الخطر أو الفقر.

كلاهما من الإشكاليات الكبرى التي لا يحقق مخرجاً منها إلا سلطات الدولة وكفاءتها في استخدام السلطة، وقدرة المجتمع على تحفيز قدراتهم للتغلب على أزمات حادة. الأغنياء والمليارديرات في المقدمة قد يكون لهم إسهام في الحل، ولكن هؤلاء تحديداً لديهم واجب آخر لن يقل أهمية وهو الحفاظ على حيوية المجتمع من خلال عمليات الاستثمار الذي يحافظ على توفير العمل وعلى الإنتاج الذي يكافح الجوع ويوفر اللقاحات والعلاج. القصة مرة أخرى كما ذاع في أدب الحكمة الصينية يكون الخيار فيها هل تعطي الإنسان سمكة ساعة الجوع أم تعلمه صيد السمك لكي لا يكون جائعاً أبداً.. تلك هي المسألة؟!

* كاتب ومحلل سياسي مصري