تجتهد المناهج الدراسية التقليدية في انتهاج التلقينية الأبوية في أسلوبها التعليمي بنمطية لا تختلف من منطقة إلى أخرى إلا بقدر اختلاف اللكنات واللهجات، التي تفرضها البيئة المحيطة.

تصور المناهج التعليمية الحياة على أنها كتالوج لن تصلح الحياة بدونه، فيسعى المعلمون إلى وضع جملة من المفاهيم والمصطلحات والعبارات الجاهزة والسلوكيات والأنماط الجامدة في ذهنية التلاميذ، ومن تلك النمطيات النمط المعيشي الخاص بطريقة اكتساب المال، الذي يعين المرء على ظروف الحياة ويمكنه من العيش، كما تجتهد البيئة في تقديم تمثلات تناسب ظروف الحياة فيها لدى ذهنية المرء.

وكما يبدو فإن التصور السائد في معظم البيئات حول طريقة كسب لقمة العيش، كما يقدمه للمرء الكتالوج الاجتماعي والتعليمي المكتسب هو الوظيفة بشقيها العام والخاص، ليكون الحصاد في نهاية الشهر أو الأسبوع، كما تفترض البيئة والكتالوج راتباً معيناً، يضمن استمرارية حياة المرء، لكنه رغم ذلك مضطر إلى الاقتراض غالباً لتسديد احتياجات طارئة أخرى بين الحين والآخر.

هذه الصورة النمطية هي السائدة عموماً أينما ولّى المرء وجهه على هذه المعمورة، ولعل معطيات اقتصاد المعرفة من تكنولوجيا وتطبيقات ذكاء اصطناعي، قد قدمت نماذج جديدة لحل أزمة المعيشة، لكن هذه النماذج لم تخرج عن سياق التصورات التقليدية القديمة، وهي أيضاً رغم ذلك لا تقدم ما تقدمه إلا لفئة محدودة فقط هم فئة المبدعين والموهوبين فقط، وفرضت أيضاً على هذه الفئات باختلاف تخصصاتها العمل في السياق الدعائي والإعلاني، والقدرة على التسويق، الذي يجب أن يتساوق ويتماشى مع معطيات ملكاتهم الإبداعية ومواهبهم وما يقدمونه من نتاجات، أي أن أقصى ما تقدمه هذه التطبيقات التكنولوجية هو إعادة إنتاج لتلك الكتالوجات التقليدية ذاتها مع فرض صعوبات أكبر مما كان الأمر عليه في السابق.

ولعل السؤال الذي يمكن طرحه في هذا المقال هو: أين يمكن أن نجد أدبيات التعليم المالي الذي يمكن أن يساعد الإنسان على فهم أعمق لمجريات الحياة ويقدم له طريقة أجدى هي ذاتها التي يختص بها فئة الأغنياء الذين يصورهم الكتالوج الاجتماعي الطبقي والتعليمي على أنهم أذكياء بالفعل إلى درجة تتجاوز المألوف، وتجعلهم في مصاف الدرجة الأولى في رحلة الحياة دوناً عن سواهم؟

والإجابة عن هذا السؤال تتطلب إعادة النظر في المناهج التقليدية التلقينية الأبوية، وما تصبه في رأس التلاميذ من نماذج وأنماط لا يستطيعون منها فكاكاً لبقية حياتهم؛ فالفرق بين الغني والفقير ليس امتلاك الغني للمال، ولكنه النمطية التي تسكن رأس الفقير والتصور الموجود للحياة ذاتها في ذهنية الغني، وكلاهما تعلم نمط العيش بالطريقة التلقينية الأبوية ذاتها!

وهنا يجب التأكيد على أن المناهج التربوية والتعليمية لا تساعد المرء على الارتقاء بقدر ما تجعل منه أسيراً لها، وبقدر ما تحمله من نمذجة للحياة وطرق العيش بقدر ما يكتب للمرء ذاته بسببها الشقاء والتعاسة في حياته أو الفرح والسعادة.

أخيراً يمكن القول: إن الحياة جيدة بقدر ما يحمله المرء منذ نعومة أظفاره من تصورات في ذهنه لها وسيئة بما يكفي لتجعله تعيساً شقياً حزيناً بقدر التصورات، التي رسمت بذهنه ذاتها في مراحل تكوينه، ولذلك يمكن القول: إن التعليم المالي هو أهم ما يمكن أن تقدمه المناهج التعليمية للأفراد، فتصبح حياتهم أفضل وأسهل وأكثر فرحاً وسعادة. وللحديث بقية.

 

* خبيرة اقتصاد معرفي