فرضت أجواء التفاؤل المتنامية نفسها بقوة على المشهد الإماراتي خلال عام 2021 الذي يدنو من نهايته، ويعود هذا التحول الملحوظ إلى عوامل عدة رئيسية منها إطلاق الدولة لواحد من أفضل برامج التطعيم على مستوى العالم وزيادة مستويات إنتاج النفط، بالتوازي مع انتعاش القطاع السياحي المدعوم بالانطلاقة الناجحة لمعرض «إكسبو 2020 دبي».

وفي حين أشارت توقعات المحللين إلى أن الطريق نحو التعافي من آثار الجائحة سيستغرق وقتاً طويلاً حول العالم، تقترب دولة الإمارات عموماً وإمارة دبي بشكل خاص من إكمال هذا الطريق بفضل استجابة الدولة المؤثرة لهذه الجائحة العالمية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع معدل نمو الاقتصاد الإماراتي من 2.2% خلال عام 2021 إلى 3% في عام 2022، بينما يتوقع لمتوسط النمو بين عامي 2022 و2026 أن يصل إلى 3.3% مدعوماً بتحسن أداء الاقتصاد النفطي وغير النفطي وسياسات تحفيز الاقتصاد الكلي وانتعاش قطاع السياحة.

وبدوره، قدم مركز دبي المالي العالمي أداءً قوياً خلال عام 2021، حيث يواصل لعب دوره كمساهم رئيسي في نمو اقتصاد دولة الإمارات ونجاحها. وأثناء فترة الجائحة، نجح المركز في تحقيق أهداف النمو المحددة في «استراتيجية 2024» قبل ثلاث سنوات من موعدها المقرر، كما ارتفع العدد الإجمالي للشركات النشطة المسجلة في المركز إلى أكثر من 3300 شركة، الأمر الذي من شأنه ترسيخ مكانة دبي كمركز مالي عالمي رائد.

وفي حين تعمل دبي أيضاً على إرساء مكانتها كمركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار، يلعب مركز دبي المالي العالمي دوراً مهماً في تحقيق هذا الطموح وتحويله إلى واقع ملموس. ويعزى هذا النمو المتسارع الذي شهدته السنوات الأخيرة إلى تلك الأنواع من الشركات والأعمال التجارية التي تواصل الانضمام إلى المركز. وفي أعقاب تدشين مركز «إنوفيشن هب» التابع لمركز دبي المالي العالمي في عام 2021، حققت هذه المنظومة الأولى في المنطقة والمكرسة لتوفير منصة تعاونية تجمع بين شركات التكنولوجيا المالية والابتكار من أجل بناء مستقبل قطاع الخدمات المالية والاقتصاد نجاحاً مذهلاً لدرجة أننا نعمل على تنفيذ خطة توسعة للمركز بواقع 4 أضعاف لتصبح مساحته الإجمالية 315 ألف قدم مربع خلال السنوات المقبلة. وبات المركز يحتضن أكثر من 400 شركة متخصصة في مجال التكنولوجيا والابتكار تتراوح بين شركات ناشئة وأخرى تعتبر من بين أبرز الشركات العالمية الكبرى في هذا المجال – أي ما يشكل نسبة تتجاوز 60% من إجمالي شركات التكنولوجيا والابتكار المتواجدة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.

ومن خلال الاعتماد على ثقافة الابتكار في خوض تحديات العام المقبل، سيركز مركز دبي المالي العالمي على إرساء الأسس لبيئة أعمال مزدهرة تدعم ريادة الأعمال، وهو أمر من شأنه أن يرسم ملامح الاقتصاد المستقبلي في نهاية المطاف. ولحسن الحظ، تعتبر العوامل الأساسية لتمكين الابتكار، بما في ذلك الاستثمار في الأبحاث والتطوير والسياسات والأطر القانونية الداعمة والتدابير الرامية لجذب الاستثمارات الأجنبية، متوفرة في دولة الإمارات، كما أنها تتبوأ مكانة جوهرية في استراتيجيتنا الاقتصادية.

وبطبيعة الحال، ندرك تماماً ما تنطوي عليه مسألة توظيف الابتكارات التي يقودها قطاع الخدمات المالية في تطبيقات ومجالات أخرى من إمكانات وتأثيرات هائلة. وقد بات الابتكار يجسّد ضرورة حتمية لبقائنا واستدامتنا ونمونا – وتوفر منطقتنا فرصاً مجزية لشركات الابتكار، سواء أكانت محلية أم تتطلع لتوسيع حضورها على المستوى الدولي. ونواصل في الوقت الحالي مراقبة مشهد التحولات الجذرية في العالم، ونتوقع أن تواصل موجاته المتسارعة إحداث تغييرات جذرية تطال جميع جوانب حياتنا، بينما تقوم بإنشاء قطاعات جديدة تتجاوز قيمتها تريليونات الدولارات في جميع أنحاء العالم وهنا في المنطقة.

وسيعمل مركز دبي المالي العالمي على الاستفادة من الفرص الهائلة التي تطرحها القطاعات المالية الناشئة والتقنيات الداعمة. وسيسهم هذا الأمر في توفير الكثير من فرص العمل والفوائد الاقتصادية بما ينسجم مع رؤيتنا لمستقبل قطاع الخدمات المالية. كما أننا سنواصل بذل الجهود في سبيل تعزيز القدرة التنافسية لدولة الإمارات من خلال التعاون المتبادل على المستوى التنظيمي مع مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي والشركاء الآخرين في القطاع بهدف دفع عجلة رقمنة القطاع، وصياغة ملامح مستقبل القطاع المالي المفتوح واعتماد معايير مشتركة للتقنيات الداعمة.

ودون أدنى شك، يقف القطاع المالي على أعتاب مستقبل مشرق إلى أبعد الحدود، تتبلور ملامحه هنا في المنطقة واليوم قبل غدٍ.