لما كانت الحضارة انعكاساً لما يبذله الإنسان في حقبة تاريخية، يحشد لها ما يستطيع من جهد وفكر وعمل في خدمة الاقتصاد والعلوم والتنمية والثقافة، فالمجتمعات التي تصنع الحضارة، هي التي يضع قادتها تأهيل وتنمية الإنسان أولويتها الكبرى، باعتباره اللبنة الرئيسة التي تفكر وتنتج وتبدع، فالإنسان، وإن لم يولد عالماً، إلا أنه أودع القدرة على التعلم والاكتشاف، فتمكن خلال تاريخ تطوره وتعامله مع موجودات الكون وما حوله، أن يستنبط ويكتشف الكثير من قوانين الطبيعة، ويسخرها خدمة لنفسه، ومن ثم للبشرية.

وعالمنا العربي زاخر بالنوابغ والمفكرين الذين من شأنهم إحداث نقلات نوعية في شتى المجالات، لو توفرت لأفكارهم البيئة الحاضنة، ومن هنا، كانت كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بأن استئناف الحضارة قرار، وليس شعاراً، التي استهل بها مبادرة «نوابغ العرب»، التي أطلقها في ذكرى توليه مقاليد الحكم، واضعاً دعائم متينة لتمكين العلماء والمفكرين والمبتكرين، وتحقيق إنجازات علمية فارقة عالمياً في مجالات الفضاء والعلوم المتقدمة والذكاء الاصطناعي والطاقة النووية السلمية وغيرها. ومع تخصيص 100 مليون درهم، تمهد مبادرة «نوابغ العرب»، الطريق أمام إعداد كوكبة من الكفاءات العلمية والمعرفية والبحثية، في إطار الحراك الأكبر من نوعه عربياً، مراهناً على العلم والعلماء، كقوة دافعة للتغيير. وتكمن أهمية المشروع الضخم، في تركيزه الرئيس على تمكين ودعم الطاقات البشرية الاستثنائية، التي ستجتمع لتحقيق غايات مشتركة في قيادة حركة الإنتاج المعرفي والفكري العربي، وتوفير قيمة مضافة للمجتمع العالمي في القطاعات الحيوية، التي ترسم ملامح مستقبل أفضل للبشرية.

هذه المبادرة، جاءت بمثابة ترجمةٍ للرؤية الاستشرافية لسموه، في بدء حراك علمي وتنموي، يضع العالم العربي مجدداً في قلب الحضارة الإنسانية العالمية، وذلك بقيادة نخبة العقول المبدعة في صناعات المستقبل، يجمعهم «متحف المستقبل»، الصرح العالمي الرائد، الذي سيضم 1000 نابغة عربي خلال 5 سنوات، لإحداث بصمات إيجابية في مجالات الفيزياء والرياضيات والبرمجيات وعلوم البيانات والأبحاث والاقتصاد، استناداً إلى منظومة متكاملة لدعم الابتكار، بالشراكة مع أهم الشركات المحلية والإقليمية والعالمية، لتعظيم نتاجهم العلمي والبحثي والإبداعي، فمقياس تقدم أي أمة، هو مقدار ما تضيفه أو تطوره من علوم طبيعية وإنسانية، وما ينعكس على توظيف هذا العلم في تيسير حياة شعبها، وفتح آفاق جديدة للحوار مع شعوب العالم أجمع.

مبادرة «نوابغ العرب»، مبادرة تاريخية، تمضي فيها الإمارات بخطى ثابتة على درب التنوير العلمي والمعرفي، بروح مشبعة بالأمل في إمكانية الفعل والتغيير، واليقين بالمشاركة في صنع المستقبل، مستلهمة من إرث الحضارة العربية الإسلامية الثقافي والإنساني العريق، الذي أسهم إسهاماً فعالاً في إخراج الإنسان من ظلمات الجهل، لتطلقه نحو فضاءات النور والعلم والمعرفة.