«لدي حلم».. صيحة أطلقها مارتن لوثر كينغ في أحد أيام أغسطس من العام 1963، عند نصب لينكولن التذكاري أثناء مسيرة واشنطن للحرية، ليعبّر من خلالها عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة.

وفي الزمن نفسه وعلى بعد آلاف الكيلومترات، انطلق «حلم» آخر من عمق الصحراء العربية، حلم ببناء وطن يجمع كل ألوان البشر تحت سقفه.

هكذا انطلق حلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ليحول رمال الصحراء إلى واحة تستقطب أنظار العالم.. وليشرع نوافذ الإمارات على مستقبل مشرق، قوامه العلم والمعرفة والانفتاح على العالم، والتنمية الشاملة والمستدامة.

بدأ حلم زايد باللون الأخضر الذي كان يعشقه، فعلى الرغم من إصرار خبراء الزراعة على أن أرض الإمارات لا تصلح للزراعة، إلا أن الشيخ زايد كان له رأي آخر، فقد كان يعرف كم من الخير تحمل أرض الإمارات في جوفها وعلى سطحها.. وكان مؤمناً بأنها ستثمر عطاءً واخضراراً بقدر ما يمنحها أبناؤها من الحب.. وبالفعل، زينت الأشجار طرقات الإمارات، وازدانت الصحراء بالأخضر، ليصبح هذا اللون رمزاً للخير والعطاء، الذي انطلق على يد زايد الخير، وما زال مستمراً حتى بعد مرور سبعة عشر عاماً على وفاته، فمثل هذا الإرث إرث خالد، حافظ عليه أبناء الشيخ زايد، وإخوته قادة وحكام الإمارات، رعاهم الله.

لقد أسس مع رفيق دربه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، دولة قوية وحّدا من خلالها صفوف الإماراتيين، وانتقلا بها من إمارات عدة وحدود متفرقة، لتصبح دولة تقف في مصاف الدول المتطورة حضارياً وثقافياً واقتصادياً، وقد كانت سعادته غامرة بتوقيع ميثاق الاتحاد في العام 1971 ورعاه بكل ما يملك من حنكة وحكمة واقتدار.

ولم يقتصر إرث زايد، رحمه الله، على ما حققته دولة الإمارات من إنجازات غير مسبوقة في عهده، وإنما ترك بصمة عظيمة في تاريخ الإنسانية جمعاء، فقد كان قائداً إنسانياً فتح ذراعيه لاستقبال زوار الإمارات من كل أصقاع الأرض، وفي الوقت الذي حلم فيه مارتن لوثر كينغ بأن يعيش أطفاله الأربعة يوماً ما بين أمة لا يُحكم فيها على الفرد من لون بشرته، وإنما من ما تحويه شخصيته، كان الشيخ زايد يرسخ هذا المبدأ الإنساني العظيم على أرض الواقع، فقد قيل له: إن 80% من شعبك وافدون.. فقال زايد: «الرزق رزق الله، والمال مال الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، والأرض أرض الله، واللي يجينا حياه الله».

لقد زرع المحبة والتسامح، وآلف بين قلوب البشر من مختلف الجنسيات والأعراق والثقافات التي تعايشت تحت سماء الإمارات، فحصد محبة الناس واحترامهم وإعجابهم.

وقف مواقف تاريخية وداعمة لمختلف الدول العربية، في قضاياها المصيرية، كان منها موقفه تجاه مصر عقب مقاطعة الدول العربية لها إثر اتفاقية كامب ديفيد، فقد رفض المقاطعة، وقال: «لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمة العربية».

وخارج حدود الوطن العربي، تجسدت عطاءات زايد الخير في كل ميدان يتطلب مبادرة إنسانية، من أفريقيا إلى آسيا إلى كل دولة تحتاج الدعم للحدّ من الفقر أو الجوع أو العطش، ولتحقيق التنمية وتحسين البنى التحتية، دون أي اعتبار لتوجهات تلك الدول السياسية أو أعراق وألوان وانتماءات أهلها.. فقد كان مبدؤه الوحيد في العطاء هو الإنسانية، ليرسي بذلك منظومة مبادرات إنسانية مازالت راسخة حتى اليوم، ومازالت ثمارها تُقطف في كل بقاع الأرض، بفضل يده البيضاء التي امتدت بالخير خارج حدود المكان والزمان، فمثلما سافرت عطاءات زايد بين دول العالم، انتقلت عبر الزمن لتستمر وتزهر وتثمر غرساً طيباً تحصده أجيال اليوم والمستقبل.

إنه الغائب الحاضر، باني مجد دولتنا الحبيبة، وصانع تاريخها العظيم.. إنه القائد الملهم الذي سار من جاء بعده على هَدْي نبراسه.. ومازالوا يحملون شعلة الخير والعطاء والتقدم، ليتوّجوا حلمه بحلم جديد حدوده الفضاء، ليرتفع اسم الإمارات ويتربع بين الكواكب والنجوم.