كانت «هوليوود» تتخيل دائماً التقنيات التي تحتاجها البشرية، فجيك سولي، بطل الرواية في فيلم Avatar، الذي يستخدم الكرسي المتحرك في الصورة الرمزية لجيمس كاميرون، يذهب للعمل على إنقاذ كوكب بعيد، عبر اتصال لاسلكي بجسم بعيد.
يتفاعل مع الآخرين، ويتعلم مهارات جديدة، بل ويتزوج - كل ذلك، بينما يرقد جسده «الحقيقي» على لوح، على بعد أميال.
ومن الصحيح، القول بأن العديد من عناصر هذا السيناريو، لم تعد خيالاً علمياً بحتاً، فالشركات اليوم تقوم بإنتاج وبيع الروبوتات التي تتيح للمستخدمين التنقل عبر بيئة العمل عن بُعد، والتفاعل عن طريق شاشة الكمبيوتر، وهو ما أطلق عليه بـ«الميتافيرس»، أي عالم ما بعد الإنترنت، وتتمتع هذه الأنظمة، بوظائف ذاتية التطور، وذات سلوك تعليمي عميق وغير محدود، لكن سياق استخداماتها لا يزال في إطار المشكلات ذات القيمة العالية، التي تنطوي على خبراء مكلفين، على سبيل المثال، للسماح للأطباء بتشخيص مرضى السكتة الدماغية عن بُعد، نظراً لأن المستشفيات الأصغر، غالباً لا تستطيع تحمل تكاليف طبيب أعصاب ضمن طاقم العمل.
وقد كان التقدم نحو «تجسيد» الاقتصاد، مقيداً بعاملين تقنيين، لا يتضمنان الروبوتات على الإطلاق، إنها سرعة اتصالات الإنترنت، والكمون المتضمن في الاتصالات بعيدة المدى، قد يكون ربط عامل تايلاندي بشخصية آلية في اليابان، مع دقة إشارة، كافية للقيام بعمل غير روتيني أكثر صعوبة من هندسة هيكل روبوت رخيص، وأنظمة التحكم ذات الصلة.
عدا ذلك، نجد أن اقتصاد «الميتافيرس»، سيتيح وجود أسواق اقتصادية واسعة جداً، فمثلاً، سنجد أن كل الماركات التي نلبسها في الواقع، سيكون مقابلها أشياء افتراضية بثمن يوازيها، أو ربما يضاهيها، مثلاً، ساعة الرولكس، بدلاً من شرائها أصلية في الواقع، ربما يفرض «الميتافيرس» عليك أن تشتريها افتراضياً، لتقوم بالتباهي بها أمام مجتمع العالم الافتراضي، وأيضاً كل شيء من متاع الواقع ومظاهره، سيارة، بيت افتراضي، تلفزيون سامسونغ الحديث الذي يتمتع بخاصية شراء السلع الافتراضية.
سيكون هناك عوالم أخطر من الواقع ذاته الذي نعيشه، وسيكون هناك طبقات اجتماعية افتراضية، وسيكون هناك أمراض واعتلالات نفسية غريبة، لأنه عالم بلا حوكمة، إنه العالم الجديد بنظامه الجديد والعجيب.
وعلى صعيد الموارد البشرية، يمكن القول إنه سيتسنى لعمال «الميتافيرس» في مكان آخر، بيع عملهم بمقابل أقل. ينطبق نفس منطق الاستعانة بمصادر خارجية، على العديد من الوظائف ذات الأجور المرتفعة، التي تعتمد على الحضور الجسدي والمهارات الحركية، بما في ذلك، العمل الذي يقوم به أطباء القلب والآلات.
وقد تكون العوائق القانونية والسياسية والاجتماعية التي تواجه اقتصاد «الميتافيرس»، أكبر من العوائق الفنية. كيف سيتغير معنى العمل، عندما يتم التحكم في روبوت البستاني، من قبل عامل بعيد مختلف كل يوم؟ أو عندما يشرف سائق واحد على 50 سيارة أجرة، معظمها ذاتية القيادة؟ ماذا - وكم - العمل المتبقي في المناطق ذات أعلى تكاليف العمالة والإسكان؟.
خلاصة القول، إن الاستعانة بمصادر خارجية للعمل البدني، سيحقق مكاسب اقتصادية ضخمة، لكنه قد يسبب مشكلات أيضاً.
وأعتقد أن الاستعانة بمصادر خارجية للعمل غير الروتيني، عبر الوجود الآلي عن بعد، يمكن أن يبدأ على نطاق واسع، في غضون عقد من الزمان، لنأخذ الوقت الكافي لإدارة اقتصاد «الميتافيرس» بشكل مدروس، بينما لا يزال شاباً، ففي الوقت الراهن، لا يهتم المستهلكون كثيراً بـ«الميتافيرس»، حيث يعتبرونه مصطلحاً غامضاً، لا يزال قيد التعريف.
والأمر يشبه سؤال المستهلكين عما يعنيه الإنترنت لهم، فقد تحصل على عدد من الإجابات المختلفة، البعض سيقول لك الإنترنت هي غوغل، وآخرون سيقولون هي تويتر أو فيسبوك أو يوتيوب، كل حسب طريقة تعامله مع الإنترنت، لكن لن تجد أحدا يُعرّف الإنترنت، بأنها «الميتافيرس»، ولهذا، فهي غير موجودة حتى الآن. وللحديث بقية.