يمكن تعريف الاقتصاد المستدام بأنه ذلك الاقتصاد القائم على رأس مال قوامه ابتكارات وإبداعات الإنسان، ويخدم أهداف التنمية المستدامة، ويستوجب مراعاة البيئة في كل مساعيه، كما ويهدف هذا الاقتصاد إلى العمل على تحسين الدخل القومي للأفراد.
ويتم ذلك من خلال تبني كل الابتكارات والأفكار والمبادرات الإبداعية البديلة لأفكار وابتكارات الاقتصادات التقليدية، وبما يحقق الاستدامة القصوى للأجيال اللاحقة.
وفكرة تحقيق الاقتصاد المستدام قائمة على مراعاة ثلاثة أبعاد هي البعد البيئي والبعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي الثقافي، وينصرف الفكر بالضرورة في تحقيق الاستدامة إلى التفكير دوماً بمحاربة الفقر والقضاء عليه، وتعزيز التعليم والثقافة، إلى جانب التغييرات البيئية.
وتمثل الاستدامة عنصراً أساسياً من أي خطة لتطوير الأعمال، لكن السؤال لماذا تُعدُّ الاستدامة أمراً مهماً؟ فإجابته هي أن دمج التفكير على المدى الطويل سيؤدي إلى توليد عائدات على المدى الطويل، وهذا ليس من الناحية المالية البحتة فحسب.
وبفضل الفهم الأفضل للقضايا البيئية، يولي الناس أهمية أكبر من أي وقت مضى للاستدامة. لذا قد يؤدي الحد من التأثير البيئي والمجتمعي دوراً مهماً في بناء سمعة أي شركة وإشراك العملاء وجذب المواهب إلى القوى العاملة فيها. بالإضافة إلى ذلك، تقوم اللوائح الحكومية الخاصة بالشركات بتحويل المثل العليا البيئية إلى التزامات قانونية، بينما يمكن للاستثمار في المواد والمنتجات والخدمات والتقنيات الأكثر استدامةً أن يوفر المال يومياً؛ ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن الجميع مسؤول عن حماية مستقبلنا ومستقبل الأجيال اللاحقة من خلال اتخاذ تدابير مستدامة من الآن.
ومن منظور الاستدامة البيئية، ينبغي أن يشكل هدفا التنمية المستدامة 12 و13 اللذان حددتهما الأمم المتحدة ضمن سبعة عشر هدفاً للتنمية المستدامة محور تركيز رئيساً للشركات.
ويتناول هدف التنمية المستدامة 12 «الاستهلاك والإنتاج المسؤولين»، ويشمل على سبيل المثال الحفاظ على المواد الخام من خلال تصميم منتجات أصغر حجماً وأخف وزناً واستخدام المواد المعاد تدويرها والقابلة لإعادة التدوير لإنشاء عبوات أكثر استدامة، والحد من استخدام المواد الكيميائية في عمليات الإنتاج، وتعزيز إعادة تدوير المنتج إلى منتج آخر.
وأما هدف التنمية المستدامة 13، فإنه يتناول «الإجراءات المناخية» ويعطي الأولوية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدى دورة حياة المنتج، بما في ذلك من خلال استخدام الطاقة المتجددة.
ولا بدّ من بذل جهود متضافرة لاتباع أهداف التنمية المستدامة؛ إذ إنه لا يمكن النجاح في تحقيق عمليات مثل إعادة التدوير وإنتاج الطاقة المتجددة إلا عن طريق توفير سلسلة توريد؛ ومن ثم فإن الشركات العالمية والوكالات الحكومية وغيرها من المؤسسات الكبرى تستخدم نفوذها لضمان أن الموردين يشاركون قيمهم ومعايير المشتريات التي يتبعونها، وهذا ما يوفر فرصة للشركات من أي حجم للاستفادة من استراتيجيات التنمية المستدامة التي تتبناها غيرها من الشركات.
إن من السهل أن ننظر إلى استراتيجيات الاستدامة على أنها استراتيجيات خطية ينتهي بها المطاف إلى نيل مكرمة من أي نوع؛ ولكن في القرن الـ 21 تحول التفكير من «المهد إلى اللحد» إلى التفكير «من المهد إلى المهد» أي التفكير الذي يمثل دورة حياة مستدامة تبدأ من الأبحاث والتطوير وتصل إلى إعادة التصنيع، مع تكرار دورة الحياة مرة أخرى؛ ويعتمد الاقتصاد المستدام على الاستمرار في استخدام المنتجات والمواد لأطول فترة ممكنة عن طريق إصلاحها وإعادة استخدامها، وهذا قبل الانتقال إلى عمليات إعادة التصنيع وإعادة التدوير؛ بل إن الحد من الاعتماد على المواد الخام ومن الانبعاثات الناتجة من النقل والتصنيع يساعد في حماية البيئة، بينما يمكن للأسعار المنخفضة المرتبطة بالمنتجات المعاد تدويرها تقليل التكاليف. وللحديث بقية.