التوقيت له دلالاته، الزيارة تتسق تماماً مع السيرة الذاتية للعلاقات بين البلدين، المباحثات تناولت قضايا جوهرية ومهمة، على الساحة العربية والإقليمية والدولية.
الرئيس عبد الفتاح السيسي استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في مدينة شرم الشيخ، مدينة السلام، اللحظة تستوجب التنسيق بين البلدين، العالم يشهد حرباً روسية - أوكرانية، لها تداعياتها وانعكاساتها، المنطقة العربية جزء من هذا العالم، تتأثر بما يدور حولها، ومن ثم لا بد من البحث عن مسارات مشتركة جديدة تواكب المتغيرات السريعة والمتلاحقة من حولنا، وتضمن استقرار الأمن القومي العربي.
مباحثات «شرم الشيخ» تناولت القضايا والملفات الضاغطة في هذا التوقيت الصعب، رسائل هذه المباحثات تؤكد قدرة قادة البلدين على الإدراك المبكر لتداعيات التحولات العالمية الكبرى، وما تتطلبه الأوضاع العربية من تفاهمات مهمة بين الجانبين، إزاء سبل التعامل مع هذه التحديات، وأهمية وضرورة التوافق على تعظيم التعاون والتنسيق المصري - الإماراتي، من أجل تطوير منظومة العمل العربي المشترك، وتعزيز القدرات العربية بما يحفظ استقرار الأمن القومي العربي، في ظل التهديدات التي تحاصر الأمن الإقليمي، غير أن هذه التغيرات التي يمر بها العالم الآن تطرح سؤالاً جوهرياً حول مستقبل العرب في المعادلة الجديدة، وبالتالي بات التحرك المصري - الإماراتي رسالة واضحة وقوية لتقديم كافة أنواع الدعم، التي من شأنها الحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية، وتثبت أركانها وسط تحديات متزايدة، وضاغطة سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً، فلا يخفى على أحد أن العالم أجمع يمر بأزمات اقتصادية كبرى تحتاج إلى رؤية واستراتيجية واضحة للتعامل معها، لتأمين استقرار الأمن الغذائي العربي، والعمل على ضرورة خلق أسواق عربية مشتركة، وتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي، بما يحقق الاكتفاء الذاتي للشعوب العربية، هذا فضلاً عن التحدي الخاص بسوق الطاقة العالمي وانعكاساته، كما تستوقفنا أيضاً متغيرات استراتيجية تتمثل في محاولات بعض القوى الإقليمية بسط نفوذها في المنطقة، في ظل حالة ترقب شديدة حول إعادة ترتيب الأوراق عالمياً وإقليمياً.
مباحثات «شرم الشيخ» تؤكد أنهما قوتان رافعتان يمكنهما تقديم دفعة قوية للعمل العربي المشترك، وإعادة اللحمة العربية - العروبية، وهذا لا يجب أن يكون بعيداً أو مستحيلاً، بل إن هذه التحديات تمثل الفرصة الكبرى لوحدة وتضافر العرب وسط نظام عالمي جديد، وبالتالي يجب التفكير في خلق وصناعة خصوصية عربية تليق بحضارتها الضاربة في جذور التاريخ، ولم يستطع أحد الاقتراب منها، وهذه الحضارة العريقة تمثل إحدى الركائز التي يمكن الانطلاق بها إلى العالم الجديد، بما يعطي الفرصة كاملة للعرب بأن يصبحوا رقماً مهماً في المعادلة الدولية والعالمية.
لدي ثقة كاملة بأن المباحثات المصرية - الإماراتية ستنجح في تبريد الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، وتهدئة التوترات ومد الجسور تمهيداً لبدء مرحلة جديدة تتواكب مع العالم الجديد.
قضايا عديدة تناولتها مباحثات شرم الشيخ، الأحداث تحتاج إلى مثل هذا التضافر بين البلدين، المصير واحد، والعلاقة بينهما بمثابة نموذج يقاس عليه في العلاقات العربية - العربية، قوة الروابط التاريخية بين البلدين تعطي زخماً وقوة للقضايا والملفات التي تناقشها المباحثات والقمم المشتركة بينهما، وقطعاً سنجد صدى واسعاً لهذه المباحثات لدى الرأي العام العربي خلال الفترات المقبلة، فالبلدان يمثلان ركيزة أساسية، للأمن والاستقرار في العالم العربي، الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تؤكد دائماً الالتزام بموقفها الثابت تجاه أمن الخليج، ورفض أية ممارسات تسعى إلى زعزعة استقراره.
في الوقت نفسه، يحرص دوماً قادة دولة الإمارات العربية المتحدة على الإشادة بدور مصر المحوري، وجهودها في تعزيز العمل العربي المشترك على جميع المستويات.
أخيراً، أستطيع القول إن مباحثات شرم الشيخ إنما تمثل رافعة وركيزة للعالم العربي في التوقيت المهم والصعب، ومن ثم أرى ضرورة توسيع دائرة هذه المباحثات بين القادة والزعماء العرب، ففي مثل هذه المتغيرات العالمية سيكون الزمن نصيراً لمن يستثمره جيداً، وبحكمة وسرعة ورشد.
رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي*