مما لا شك فيه أن هناك فروقات جوهرية في طبيعة الدعاوى الجزائية تميزها عن الدعاوى المدنية، وتبعاً لتلكم الفروقات يختلف مستوى الإثبات.
لما كانت الدعاوى الجزائية تتعلق بالجرائم المنصوص عليها قانوناً فقد وضع لها المشرع مستوى معيناً في إثبات الجرم وإسناد التهمة للمتهم، وذلك بأن يثبت للمحكمة التي تتصدى لنظر الدعوى الجزائية وسماعها ارتكاب المتهم للجريمة المسندة إليه فوق مستوى الشك المعقول.
ولذا فإن أي شك تثيره وقائع الدعوى يتم تفسيره لصالح المتهم وعبء الإثبات الملقى على عاتق جهة الاتهام يتطلب إثبات التهمة بحق المتهم فوق مستوى الشك ولما كان المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، فإنه عند تحريك الدعوى الجزائية بحق المتهم يسمى الأخير المشكو ضده، وذلك لحين انتهاء النيابة العامة الممثلة لجهة الاتهام من تقييم البينة، فإن وجدت بينات كافية يتم توجيه الاتهام بما يعرف قانوناً بأمر الإحالة ويحال المتهم لمحاكمته أمام المحكمة المختصة.
ويختلف الأمر بالكلية في الدعاوى المدنية، حيث إن مستوى الإثبات فيها يتطلب ما يعرف قانوناً بترجيح البينات، حيث تتم إتاحة الفرصة للمدعي لتقديم البينة المستندية أو بينة الشهود أو كلتيهما معاً لإثبات دعواه باعتبار أن عبء الإثبات ملقى على عاتق المدعي المكلف بالثبات دعواه، فإن فشل في الإثبات لا يطلب من المدعى عليه نفي الدعوى المقامة بحقه، بل يتم رفض الدعوى للعجز عن إثبات صحتها، وأما إن قدم الادعاء بينة قوية ومتماسكة فيحق للمدعى عليه طلب منحه فرصة لدحض الدعوى بتقديم بينة نفي ومتى تبادل الطرفان تقديم البينة فإن المحكمة تخضع الأمر للتقييم وفق السلطة التقديرية الممنوحة لها من قبل المشرع، وهي المرحلة السابقة لإصدار الحكم وتعمل المحكمة لترجيح أي من البينتين المقدمتين، فإن رجحت بينة المدعي قضت له بكل أو بعض طلباته وفقاً لما ينص عليه القانون وإن رجحت المحكمة بينة النفي المقدمة من المدعى عليه واطمأنت لها قضت برفض الدعوى المقامة من المدعي بحق المدعى عليه.