اتخذت دبي، من موقعها المميز وسط بلد ذي مدنية متقدمة، خطوة جريئة تثير الإعجاب قبل ما يقرب من 20 عاماً عندما أقامت المنطقة الحرة لمركز دبي المالي العالمي وفق أطر حوكمة وهيكليات قائمة على القانون العام. وتتمتع دبي برؤية تبين الصورة الكبيرة التي ترنو إليها، وهي التقدم وتقديم خدمات متميزة ذات جودة فائقة لسكانها. بل إن دبي، في الحقيقة، تعد قدوة يحتذى بها في القدرة على التكيف والسهولة في التغيير، وهو ما يقودها إلى مسيرة تنمية مبهرة. ومن هذا المنطلق، فإن دبي هي الأكثر استعداداً لدفع عجلة التميز في خدمات المحاكم وإبراز أهمية قدرة المحاكم على التكيف مع متطلبات المستقبل.

ويعد التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتوفير بيئة أعمال عالية التنافسية ركناً أساسياً من أركان رؤيتها للتنويع الاقتصادي على المدى الطويل. وسيتجلى بلا ريب مدى أهمية قدرة الأنظمة القضائية في دولة الإمارات على دعم وحماية دوائر الأعمال التي تعمل هنا لتحقيق هدف الدولة على المدى الطويل المتمثل بجذب الاستثمارات الأجنبية واستبقائها.

إن واقع العولمة التي نعيشها يدفع المحاكم إلى الابتكار؛ فلن يقتصر واجب القطاع القانوني وموظفي المحاكم في المستقبل على معرفة القوانين فحسب، بل لا بد لهم من الآن من تحصيل هذه المعرفة بعدة لغات ومن استخدام أحدث التقنيات في ذلك؛ فلقد قلصت التكنولوجيا المسافات بين أسواق العالم. لذلك، ينبغي أن تتاح لرواد الأعمال والمستثمرين القدرة على اختيار المحاكم التي يمكن أن توفر لهم اليقين والموثوقية من خلال تمتعها بهذه المعرفة القانونية الإبداعية.

ولقد بينت الأبحاث الاحتياجات القانونية للشركات متعددة الجنسيات، فوجدت ضرورة توفر الكفاءات الواسعة النطاق لدى المحامين وموظفي المحاكم والقضاة لتحقيق قيمة مضافة. وفي هذا السياق، برزت محاكم مركز دبي المالي العالمي كقبلة للتميّز في التدريب القضائي والقانوني على مستوى المنطقة، مع التركيز بشكل خاص على ما يسمى بالقانون «العابر للأنظمة» - أي إعداد المحامين والقضاة إعداداً يمكنهم من العمل في مختلف الولايات القضائية العالمية، مع الاستفادة في الوقت نفسه من استخدام أكثر التقنيات الخاصة بالمحاكم تقدماً.

ومنذ إطلاقها في عام 2004، ابتكرت محاكم مركز دبي المالي العالمي استراتيجيات لدفع عجلة التميز والابتكار القضائي، وتحقيق التوازن في هيئتها القضائية باستقطاب قضاة من ولايات قضائية مرموقة في ميدان القانون العام إلى جانب قضاة ذوي خبرة من النظام القضائي في دبي بهذه المحكمة المشكلة حديثاً.

وأرسلت حكومة دبي المسؤولين القضائيين الإماراتيين المعينين حديثاً إلى المملكة المتحدة لتلقي تدريب مكثف على القانون العام، لسد الفجوات في التدريب القانوني التقليدي من خلال التركيز على توفير تدريب مشترك لموظفي القضاء والسجل لدينا على أنظمة القانون المدني والقانون العام، وإعطائهم منظوراً قانونياً دولياً ومقارناً باللغتين الإنجليزية والعربية.

وإذا ما انطلقنا بنقلة سريعة إلى العام 2022، نجد قضاة وموظفي السجل الإماراتيين في محاكم المركز قد قضوا ما يقرب من 20 عاماً في التدريب الدولي؛ وبرامج التطوير الذاتي؛ وصياغة قواعد المحاكم؛ وقيادة عملية إنشاء محكمة المطالبات الصغيرة؛ والإشراف على قضايا تجارية ومدنية كبرى؛ وإقامة علاقات عمل عميقة مع المحاكم التجارية الإقليمية والعالمية؛ ودفع معايير الخدمة للأعلى وزيادة الكفاءة الإدارية من خلال المساعدة في إدخال وتسخير النظم الرقمية المتطورة.

وعلى مر السنين، سعت محاكم مركز دبي المالي العالمي أيضاً إلى العمل بالتناغم والتآزر مع دوائر المجتمع القانوني الإماراتي وبناء أواصر الصلة مع مؤسسات التعليم العالي المحلية والعالمية الرائدة لتطوير شراكات فكرية وإطلاق مبادرات من قبيل المنح الدراسية والتدريب الداخلي وبرامج الإعارة التي تهدف إلى تشجيع الطلاب الجامعيين على متابعة تحصيل المعرفة القضائية في كلا القانونين المدني والعام لتعزيز سمات الجاذبية والتنافسية لدى الجيل القادم من طلاب كليات القانون، كما استهدفت برامج تدريبية محددة تقام بالاشتراك مع الجامعات المحلية، خريجي القانون الإماراتيين، لتقدم لهم المعرفة والمؤهلات في نظام القانون العام باللغة الإنجليزية.

ومن خلال البرامج المكثفة، يجري تدريب المحامين وموظفي المحاكم والحقوقيين المبتدئين في قوانين القانون المدني والقانون العام، وتعزيز المهارات الأساسية التي يحتاجونها للتعاطي مع هذا النوع من النزاعات الدولية المعقدة التي يزداد تعامل المحاكم العالمية معها أكثر فأكثر.

وقد أطلقت محاكم مركز دبي المالي العالمي في السنوات الأخيرة العديد من المبادرات الجديدة، المنسجمة مع رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، ومن بين هذه المبادرات برنامج التوجيه للمحامين الإماراتيين، فضلاً عن برنامج الإمارات لتطوير التميز القضائي، واللذين تم تصميمهما خصيصاً لتحقيق استراتيجية ثلاثية المستوى: (1) زيادة عدد الإماراتيين داخل المحاكم؛ و(2) تطوير المواهب التي لدينا والاحتفاظ بها؛ و(3) احتضان المواهب الجديدة من خلال برامج التدريب الداخلي وتدريب الخريجين وبرامج الإعارة. وبعد المراجعة المكثفة لتعقيبات وملاحظات الممارسين والأطراف المعنية، ستعمل هذه البرامج على تطوير القوى العاملة الوطنية الإماراتية وتعزيز القدرة التنافسية لدى المهنيين القانونيين من الإماراتيين.

 

* مدير محاكم مركز دبي المالي العالمي