الأصل أن السكوت هو مظهر سلبي للتعبير عن الإرادة، فمن اعتصم بالسكوت فإنه لا يعبر بصورة إيجابية عن إرادته، وحيث إن العقد يتم بإيجاب وقبول فإن القانون يستلزم توافر تعبير عن الإرادة الظاهرة ولا يعول على الإرادة الباطنة للمتعاقدين.
ووفقاً لما سبق فإن القانون نص على أن الأصل هو ألا ينسب لساكت قول بيد أن تلكم القاعدة أردفها المشرع باستثناء وحيد وهو أن السكوت في معرض الحاجة بيان ويعتبر قولاً، وحيث إن الإيجاب لا يمكن استخلاصه من مجرد السكوت إلا أن القبول يمكن استخلاصه من الظروف والملابسات المحيطة، وعليه فإن السكوت يقوم مقام القبول متى ما اقترنت به ملابسات تجعل دلالاته تنصرف إلى الرضا وخصوصاً في حالتين، أولاهما: إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل ويدخل في ذلك سكوت المالك عند قبض الموهوب له أو المتصدق عليه وسكوت أحد المتبايعين في بيع التلجئة وسكوت البائع الذي له حق حبس المبيع حين رأى المشتري يقبض المبيع وسكوت الراهن عند قبض المرتهن العين المرهونة.
وثانيهما: إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه ويدخل في ذلك سكوت المتصدق عليه وسكوت المفوض وسكوت الموقوف عليه، ويمكن أن يكون من هذا القبيل سكوت المشتري بعد أن تسلم البضاعة التي اشتراها فيعتبر ذلك قبولاً بما ورد بقائمة الثمن من شروط وذلك متى ما كان قد اطلع على تلكم القائمة عند التسليم، والمقصود بذلك أن يكون المتعاقد في وضع بحيث إنه لو لم يكن راضياً لما سكت عن التصريح بالرفض، ويدخل في ذلك سكوت البكر عند استشارتها في الزواج فهي تتحرج من إظهار الرضا بدلاً من التصريح بالرفض بخلاف الثيب التي لا تتحرج في حالتي الرضا أو الرفض، ويدخل في ذلك سكوت الشفيع حين علم بالبيع ودلالة السكوت هنا الرفض لا القبول، ويدخل في ذلك سكوت الزوج عند الولادة والسكوت قبل البيع عند الإخبار بالعيب.