فَقَد شعبُنا ووطنُنا قائداً كسب قلوب أبناء شعبه، واحترام ومحبة الشعوب التي ترك فيها أثراً طيباً ومكارمَ لا تنسى..

فَقَدْنا فارساً ترجّل بعد أن قاد مسيرة وطننا الحبيب، حاملاً راية الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، مؤكّداً ذلك عبر مقولته: «كان والدي المعلم الذي أتتلمذ على يديه كل يوم وأترسم خطاه وأسير على دربه وأستلهم منه الرشد والقيم الأصيلة والتذرع بالصبر والحلم والتأني في كل الأمور».

ترجّل المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان طيب الله ثراه بعد مسيرة من العطاء والبناء، أوصل فيها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى آفاق بعيدة من التطوّر في مختلف الميادين والمجالات، لتصبح واحدة من الدول التي تشدّ الأنظار، ويشار إليها بالبنان، فقد أرسى بفضل قيادته الحكيمة منظومة وطنية متكاملة، قوامها التعاضد والتعاون ووحدة الصف، وهدفها رفعة الدولة وإعلاء اسمها وتعزيز مكانتها.

ولم تكن إنجازاته مقتصرة على فترة رئاسته للدولة، وإنّما استطاع على مدى عقود أمضاها إلى جانب والده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، أن يسهم بفعالية في تحقيق خطط الدولة وإنجازاتها في جميع المجالات، من التعليم إلى الصحة والخدمات والبنية التحتية والتطوير العمراني، وصولاً إلى العلاقات الدولية، وتعزيز أواصر الصداقة مع جميع دول العالم، وتحقيق الإنجازات الرائدة والمتميزة في مختلف الميادين.

وقد تبوأت دولة الإمارات في عهده، المركز الأول عالمياً في 152 مؤشراً تنموياً واقتصادياً، والمركز الأول عالمياً على صعيد ثقة الشعوب بالحكومات.

ولطالما كانت الإمارات في عهده سباقة في العمل الإنساني، فقد كان -رحمه الله- رائد العمل الإنساني، ووصلت أياديه البيضاء إلى ما يزيد على 87 بلداً حول العالم، عبر مؤسسة (خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية) التي أسسها المغفور له في عام 2007 لتكون جسراً يمدّ أواصر المحبة والعون لخدمة الإنسانية على المستوى العالمي، عبر تقديم المساعدات في مختلف المجالات.

أمّا على الصعيد الداخلي، فيشهد القاصي والداني على النهضة التنموية الكبيرة التي شهدتها دولة الإمارات تحت قيادته، ولاسيما على صعيد تمكين القوى البشرية، التي تعتبر الثروة الأغلى للوطن، فقد حرص على منح أبناء الوطن كلّ ما يحتاجونه من دعم ومساعدة للحصول على التعليم والتأهيل والمراكز الوظيفية التي تتناسب مع إمكانياتهم ورغباتهم، وقد توّج ذلك عبر التوجيه بإطلاق برنامج «نافس» الذي يهدف إلى رفع تنافسية الكوادر الإماراتية ومنحها التمكين والتدريب والدعم المالي، لزيادة حضور الإماراتيين ضمن القوى الوطنية العاملة في القطاع الخاص.

كما نالت المرأة في عهده كلّ الاهتمام والرعاية، ومنحت كامل حقوقها لتكون عنصراً أساسياً في عملية البناء والإدارة والقيادة، فقد كان يرى سموه أنّ المرأة صانعة الأجيال، ولبنة أساسية في بنيان الوطن، وهو القائل: «إنني أشجع عمل المرأة في المواقع التي تتناسب مع طبيعتها وبما يحفظ لها احترامها وكرامتها كأم وصانعة أجيال».. وهذا ما رأيناه يتحقق على أرض الواقع، فالمرأة التي نالت كلّ الاحترام وحافظ المجتمع على كرامتها ومكانتها، استطاعت اليوم أن تتبوأ مراكز وزارية وقيادية بارزة، لتسهم بشكل فاعل إلى جانب الرجل، في إعلاء مكانة الدولة والمضيّ قدماً في مسيرتها النهضوية.

لقد حرص المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، على تحقيق رفاهية وسعادة شعبه، ومواكبة دولة الإمارات العربية المتحدة للتطور والتقدم الذي يشهده العالم، حتى باتت اليوم واحدة من أفضل الدول للعمل والعيش والسياحة، وبرزت إنجازاتها في جميع الميادين، لتتوَّج بحقّ درّةً نادرةً ولؤلؤةً ثمينة.. ولتنطلقَ عبر سباق المستقبل على صهوة جواد أصيل، ترجّلَ فارسُه المقدام، ليسلِّمَ الراية لفارسٍ آخرَ، ليكون خير خلف لخير سلف.. فارس نهل من النبع الكريم ذاته، وتربّى على القيم النبيلة نفسها.. قائدنا وسيّدنا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان «حفظه الله».

رحم الله الشيخ خليفة، وغفر له، وطّيب ثراه.. رحل جسداً.. لكن ستبقى روحه خالدة فينا.