منذ أن اندلعت الحرب الروسية - الأوكرانية وهي شغل العالم الشاغل، فأصبحت الحدث الأكثر تداولاً على وسائل الإعلام العالمية، ولم يبقَ محلل سياسي إلا وأدلى بدلوه في هذه القضية التي ألقت بظلالها على قارة أوروبا بأكملها، وتسببت بأزمات كبرى في دول من مختلف قارات العالم.

فقد دخل العالم في دوامة من الخوف مما ستؤول إليه الأمور في حال استمرار الحرب لمدة طويلة، ولم يعد النقاش حول ما إذا كانت الدول المرتبطة بكل من روسيا وأوكرانيا ستدخل في أزمة أم لا، وإنما أصبح النقاش يدور حول حجم هذه الأزمة، التي باتت أمراً واقعاً وتحصد الدول نتائجه اليوم، ولا سيما في القطاعات المرتبطة بالنفط والغاز نظراً لأن روسيا تعدّ ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع كبير في أسعار النفط، وبروز أزمة في قطاع الطاقة في الدول المستوردة للغاز والنفط الروسيين، وخصوصاً بعد العقوبات التي فرضت على الصادرات الروسية، وفرض روسيا للتعامل بالروبل الروسي مقابل المنتجات النفطية.

كما أدّت الحرب إلى ارتفاع أسعار الإنتاج الصناعي، وبروز أزمة غذائية في الدول التي تعتمد وارداتها الغذائية على روسيا وأوكرانيا اللتين تعدّان من أكبر الدول المنتجة والمصدّرة للمواد الغذائية، ناهيك عن أنّ روسيا أكبر مصدّر للأسمدة الزراعية في العالم.

فقد بلغ إجمالي حصص روسيا وأوكرانيا من صادرات القمح العالمية 25 % في عام 2019، كما ازدادت صادرات روسيا من القمح 8.5 % في عام 2021 مقارنة بالعام السابق، لتبلغ قيمتها 8.8 مليارات دولار. ومن المعروف أن أوكرانيا تعرف باسم «سلة الخبز» الأوروبية نظراً لكونها خامس أكبر مصدر للقمح في العالم.

لذلك، فمن المؤكّد أن استمرار الحرب سينعكس بشكل كارثي في إمدادات الحبوب على المستوردين في الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا، دون أن نغفل أن الدولتين المتحاربتين تعدّان من أكبر المنتجين لزيت الذرة وزيت عباد الشمس، وقد بدأت أزمة فقدان هذه المادة تلوح في أفق الدول المستوردة، وعلى ما يبدو فإن العالم مقبل على مجاعة حسب ما يرى المحلّلون.

ويتوقع الخبراء أن تقلّص الحرب النمو العالمي بنحو 0.2 % هذا العام، أي أنه سينخفض من 4 إلى 3.8 %، وذلك في حال عدم استمرار الصراع لمدة طويلة، أما في حال استمراره طويلاً فستكون نتائجه كارثية.

ويبدو أنّ هذه الحرب قد استمرت أطول من المتوقع، وبدأت الدول الأوروبية تبحث عن حل يجنّبها المزيد من الخسائر، ويجنّب العالم بأكمله الدخولَ في أتون حرب عالمية ثالثة، لأنّ الصراع وإن انحصر عسكرياً بين دولتين فقط، إلا أنه أدخل عشرات الدول بدوّامة من الأزمات في قطاعات الطاقة والاقتصاد والغذاء.

في كثير من تفاصيل الحرب الروسية - الأوكرانية نرى تفاصيل الحرب الأمريكية على فيتنام.

ولربما كانت هذه الحرب تشبه ورطة أمريكا في فيتنام، وفي حال ما استمر الأوكرانيون في الدفاع باستماتة عن بلدهم، واستمرت أوروبا وأمريكا في تحركهما لمساعدة ودعم أوكرانيا، كما دعمت روسيا والصين فيتنام أثناء الحرب الأمريكية - الفيتنامية، وفي حال ما استمرت الولايات المتحدة بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لأوكرانيا، مع تجنيد ماكينتها الإعلامية لمساندة أوكرانيا، فقد نرى خسارة لروسيا تشبه الخسارة الأمريكية في فيتنام.

لا أحد يمجّد الحروب ويحبّذها سوى من يعشق الدمار والخراب والويلات والدماء التي تأتي مترافقة مع كلّ صراع!.. وهذا الصراع تحديداً قد ترك ما يكفي من الآثار الكارثية على العالم بأكمله، وأَبرَزَ نقاط الضعف لدى الدول المرتبطة به، عسكرياً واقتصادياً وغذائياً. وكلّنا أمل أن يتوقف الصراع ويعمّ السلام والأمان، لأنّ البشرية تعبت من عبء الحروب وآن لها أن تنعم ببعض السكينة.

 

* رئيس مجموعة الدكتور أحمد النصيرات للتميز والابتكار