رئيس الدولة وحديث من القلب

بإطلالة جليلة ممتدة في الماضي العريق للوطن، أطل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على شعبه الوفي، ليخاطبه من أعماق القلب بعد رحيل سيد البلاد، وقائد الدولة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، وليدلف من خلال هذا الحديث على مسيرة دولة الإمارات، وخططها المستقبلية، لمواصلة بناء الدولة ضمن أعمق الأسس، التي رسخها الباني الأول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وليكون هذا الحديث بمثابة خريطة الطريق، التي يسترشد بها أبناء الوطن في مسيرة البناء والإعمار والتقدم.

واعترافاً بجهود المؤسسين الكبار كان وجه الشيخ زايد، رحمه الله، هو فاتحة هذا الحديث الطيب الجليل، ترسيخاً لريادته وتخليداً لبصمته التي لن تزول عن وجه الإمارات يتلوه في العمل والبناء الشيخ خليفة، رحمه الله، الذي قاد مسيرة الدولة في مرحلة بالغة الحساسية، ووصل بها إلى بر الأمان في ظروف عاصفة هبت على المنطقة بشكل عام، ليبدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حديثه المَهيب مع أبناء شعبه مستذكراً السيرة الطيبة للشيخ خليفة، الذي غادرنا قبل فترة ليست بالطويلة.

وكيف أنه كان مرافقاً للوالد المؤسس في جميع مراحل بناء الدولة، وأن القلوب قد تقبلت فاجعة رحيله بالصبر والتسليم مع الدعاء له بالرحمة والمغفرة، بعد أن ترك إرثاً خالداً ملهماً لجميع شعوب المنطقة بسبب حكمته ونفوذ بصيرته في الإدارة والحكم، مما جعل من الإمارات دولة عميقة الحضور تحظى باحترام جميع دول العالم، بسبب سياستها الحكيمة، التي سارت عليها منذ النشأة وحتى هذا التاريخ المجيد للوطن.

بعد ذلك أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أنه كقائد للدولة مستمر في السير على النهج، الذي أسسه الآباء مستلهماً الإرث السياسي الحكيم لتلك المسيرة، مؤكداً على بقاء الموروث الثقافي والحضاري للدولة جزءاً من الخطط الاستراتيجية، التي لا يمكن التفريط بها، مقدماً من خلال هذه المقدمة صادق الشكر والمحبة لإخوانه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، الذين حملوه مسؤولية مواصلة المسيرة، من خلال رئاسة الدولة وقيادة سفينة الوطن، وأن التعاون بين جميع أبناء الوطن والالتفاف حول رايته سيكون هو شعار المرحلة القادمة كما كان هو جوهر مسيرة الدولة عبر تاريخها المضيء بالعمل والإنجاز، لأن ذلك هو مصدر قوة الوطن وتماسكه وعزته.

إن شعب الإمارات في حديث صاحب السمو رئيس الدولة هو محور الاهتمام، وهو أول الأهداف وآخرها، وفي طليعة أولويات الدولة منذ نشأتها، مؤكداً سموه أن راحة المواطن وسعادته هي المهمة الكبرى للدولة، التي هي دولة محظوظة بهذا الشعب الأصيل، الذي أثبت في جميع مراحل المسيرة أصالته وصلابته في مواجهة التحديات وتجاوز العقبات، مع التأكيد على أن الاعتزاز بالإنسان الإماراتي هو اعتزاز أصيل لا حدود له، تماماً مثل اعتزازه بجميع المقيمين على أرض الوطن من الأشقاء والأصدقاء، الذين يعتبرون الإمارات بلدهم الثاني انتماء وعملاً وإنجازاً من خلال إسهامهم بكل كفاءة واقتدار وإخلاص في تقدم الوطن ورفعته.

بعد ذلك أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وبنبرة جازمة على أن سيادة دولة الإمارات وأمنها مبدأ سيادي أساسي لا يمكن التفريط به أو المساومة عليه، مع التأكيد على أن يد الصداقة القوية ممدودة لكل دول المنطقة في سبيل تحقيق التقدم والازدهار لشعوب المنطقة والعالم من الشعوب، التي تشارك دولة الإمارات في قيم التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الأمم والحضارات.

وبخصوص منظومة العمل في الدولة يؤكد صاحب السمو رئيس الدولة أن جهود القادة المؤسسين قد رسخت منظومة متكاملة متطورة مستدامة من العمل المؤسسي أصبحت مصدر إلهام لجميع شعوب المنطقة والعالم بسبب ما توفر لها من عناصر النماء والتطور، وهو الذي انعكس إيجابياً على اقتصاد الدولة، حيث تمتلك الإمارات واحداً من أقوى الاقتصادات في العالم قوة ونمواً، بسبب كثرة الموارد وفي طليعتها الموارد البشرية والكفاءات المدربة من الأجيال الفتية الشابة، التي يدعم عملها وجهودها أكثر من مئتي جنسية تُسهم بفعالية وعزيمة في تطور البلاد وبناء مسيرتها التنموية.

وعلى المعهود من مسيرة الدولة منذ نشأتها يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أن تنويع مصادر الاقتصاد هو ضرورة استراتيجية للتنمية، وأنه من الضروري تسريع وتيرة التنمية لبناء اقتصاد رائد ونشيط عالمياً، وتعزيز القدرة التنافسية للدولة، وتحقيق أعلى المؤشرات العالمية في هذا المجال، مع التأكيد على أن من أولويات هذه المرحلة الاهتمام الجاد بمحور العلوم والتكنولوجيا باعتبار ذلك مفتاحاً لجميع منجزات العصر الحديث مع التأكيد على الدور المحوري والحيوي للقطاع الخاص في تسريع عملية التنمية وبناء الوطن المنشود.

وبخصوص الملف الخارجي للدولة أكد صاحب السمو رئيس الدولة أن دولة الإمارات قد عززت علاقاتها مع جميع دول العالم، من خلال أسس راسخة من المصداقية والتعاون البناء، الذي أكسبها سمعة طيبة على المستويين الإقليمي والدولي، وهي السمعة التي تؤهل دولة الإمارات لبناء علاقات استراتيجية وشراكات نوعية مع مختلف دول العالم، مع التأكيد على الاستمرار في مد يد العون لجميع الدول من منطلق إنساني لا يفكر إلا في مصلحة الإنسان والتخفيف من أوجاعه.

كما أكد سموه الاستمرار في ترسيخ مكانة الدولة مزوداً موثوقاً للطاقة العالمية لأنها هي العمود الفقري لتمكين النمو العالمي، وهذا بدوره يقتضي أن تظل دولة الإمارات داعمة لجميع جهود السلام والاستقرار وعوناً للشقيق والصديق في سبيل خير البشرية، من خلال أسلوبها الحكيم في التعاون من أجل خير البشرية وتقدمها، فضلاً عن الاستمرار في تعزيز جهود الشراكة والحوار والعلاقات الفاعلة المتوازنة مع جميع دول العالم القائمة على الثقة والمصداقية والاحترام المتبادل.

وبخصوص النهضة الداخلية للوطن فقد أكد سموه أن دولة الإمارات قد حققت إنجازات نوعية وفريدة واستثنائية بسبب الطاقات الشبابية، التي تقوم على كواهلها عملية التنمية، وتندفع بأقصى طاقاتها في العمل والبناء، لكن طموحات الوطن أكبر بكثير من المنجز، مما يقتضي بذل أقصى طاقات الجهد في سبيل تحقيق الأهداف المرسومة للمرحلة المقبلة، من أجل تأمين مستقبل مشرق لأجيال الحاضر والمستقبل، وهو يعتمد على الجهد والعمل الدؤوب، الذي نقدمه اليوم لنقطف ثماره الدانية في المستقبل القريب.

ثم كانت خاتمة حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إشادة بالجهود الكبيرة والأساسات الصلبة، التي بذلها الوالد المؤسس، وعلينا مواصلة المسيرة والبناء عليها من خلال مضاعفة الجهود وتحقيق أقصى مؤشرات التقدم والإبداع، مؤكداً أن الهدف الأول والأخير هو الإنسان الإماراتي، من خلال الأمل الكبير بالله تعالى في تحقيق الأهداف وبلوغ الآمال، خاتماً حديثه بالدعاء لفقيد البلاد الكبير الشيخ خليفة بالرحمة، وللوطن بالعز والتمكين.

 

الأكثر مشاركة