قبل قرون عديدة، عندما بدأت قصة الإنسان مع ذاته، وما يكمنها من أفكار، وقصته مع الأرض، وما تخبئ له من مغامرات، وقصة تعلقه بالكون، وما وراءه. هي قصة الإنسان مع طموحه، مع أحلامه، مع ذاته الشغوفة بالمعرفة، مع عقله المتشوق للعلم، ومع أحلامه التي تعانق السماء.
بدأت تلك القصة من نواتها وهو الإنسان، الذي رسم تسلسل الأحداث بدءاً من شروعه بالتعرف على نفسه، ثم باكتشاف ما يحيط به من عوالم مشرقة في هذا الكون البديع، وربط أجزاءه المختلفة لفهم الظواهر العلمية، وليتمكن من استغلال بيئته المحيطة بما يخدم مجتمعه، والعالم أجمع، وبنظره الثاقب تطلع إلى الأرض، وما عليها من مخلوقات، ومعجزات، فتدبر في صنع الخالق، الذي خلق فأبدع بتكامل، وتناسق، ودقة.
رفع الإنسان رأسه إلى السماء، ونظر إلى الأقمار، والكويكبات، والأبراج، فوجد فيها ما يبهر عقله، فسبح بين النجوم، وعكف على تفسير أسرارها، فدهش من الإبداع المتناهي، والتناسق المطلق، فغريزة البحث والاكتشاف قادت الأولين إلى قياسات، وتجارب، واستنباطات، ممهدة للحضارات التالية أساساً لمبادئ علم الفلك، وصولاً إلى نظريات علم الفلك الحديث. فصفحات السماء كانت مرافقة للإنسان في الحال والترحال، فاستعان بالأقمار، والكواكب، والنجوم، واعتبر الشمس مرجعاً لدورة السنين، ومراحل الفصول، والزمن، والوقت، والاتجاه على الأرض. وكذلك القمر، الذي استطاع ملاحظته، وتسجيل الأعوام القمرية، وتحديد الوقت والاتجاه عن طريق استقراء أوجه القمر، بالإضافة إلى ربطه بين مظاهر حركة المد والجزر بمنازل القمر وحركته.
مع عتمة كل ليل، ومع انسدال ستاره المظلم، يطل علينا الكون كسقف ضخم حالك السواد، تزينه قناديل مضيئة، كأنها لآلئ متناثرة، تلك هي النجوم، التي يبلغ عددها الملايين في مجرتنا، وتبعد ملايين الأميال، يصلنا بريقها بعد آلاف السنين الضوئية. وللنجوم ألوان مختلفة، ودرجات بريق متفاوتة، قسمها القدماء إلى 6 درجات بدءاً بالنجوم الساطعة شديدة اللمعان في الدرجة الأولى، إلى النجوم الخافتة التي اعتبرت قاتمة كونها ترى بصعوبة، والتي احتلت الدرجة السادسة. وليس كما نظن أن النجوم موزعة بشكل عشوائي في الفضاء، بل منتظمة في مواقعها ببنية محددة، يراها الراصد بالعين المجردة ثابتة في الفضاء، ولكنها تتحرك بحركة خاصة دائمة، يمكن رصدها عبر معاينة دقيقة.
تملأ النجوم الكون بعناصر من خلال دورة حياتها التي تعد عملية مستمرة من التكوين، وحرق الوقود، وتشتت المواد عند استهلاك الوقود بالكامل، وتتخذ النجوم المختلفة مسارات متنوعة، اعتماداً على مقدار كتلتها، وتعتمد كتلة النجم على كمية غاز الهيدروجين التي تجمعها الجاذبية أثناء تكوينها. ويتم قياس كتلة النجوم من خلال مقارنتها بنجم نظامنا «الشمس»، وتعتبر النجوم ذات كتلة عالية عندما تكون 5 أضعاف أو أكبر من الشمس.
ودورة حياة النجم لها بداية ونهاية كأي دورة حياة، فكيف تموت النجوم؟ الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على كتلة النجم ذاتها، فتستنفد النجوم الأكثر ضخامة مخزونها من الوقود بسرعة، وتنفجر في مستعرات أعظم عبر انهيار النواة، وهي من أكثر الانفجارات نشاطاً في الكون، ويمكن لإشعاع المستعر الأعظم أن يتفوق بسهولة ولو لفترة وجيزة على بقية المجرة المضيفة.
وعلى الرغم من وجود أكثر من 1000 عام من علم الفلك، فإن النظر إلى السماء المرصعة بالنجوم لا يزال مذهلاً، ولا تزال بعض عناصر دورة حياة النجم يغلفها الغموض، ولا يزال علم الفلك من أكثر المواضيع تشويقاً