ما كان بنظرنا خيالاً علمياً في زمن ليس ببعيد، أصبح الكثير منه واقعاً نعيشه اليوم، بفضل التطورات المتسارعة الحاصلة في عوالم التكنولوجيا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأخصُّ هنا تقنية «الميتافيرس» التي يرى الخبراء أنها تجد حماساً عند عدد كبير من المستهلكين، وتنبؤاتهم بأنها ستؤثر بشكل ثوري على مختلف القطاعات الحيوية، وستمكّن من إنجاز كافة أنواع التعاملات في الواقع الافتراضي.
ويتوقع الخبراء أن تصل مشاركة «الـميتافيرس» في الاقتصاد العالمي إلى نحو خمسة تريليونات دولار بحلول عام 2030، وبلوغ القيمة السوقية المتوقعة للرموز غير قابلة للاستبدال «إن إف تي» نحو 80 مليار دولار في عام 2025.
ولاحظنا مبادرة بعض الدول بشكل تدريجي لتبني هذا الوسط الاستشرافي الواعد، فقد استثمرت كوريا الجنوبية على سبيل المثال حوالي 177.1 مليون دولار من بين الاستثمارات الأولى في هذه الصناعة الناشئة التي تقوم بها حكومة وطنية.
ولا يقتصر تبني «الميتافيرس» على الحكومات فحسب، فوفق الدراسات المختصة، تشارك حالياً %30 من المؤسسات حول العالم بمنتجاتها وخدماتها ضمن عالم «الميتافيرس»، نظراً لتوفيره مزيداً من فرص التواصل والتعاون على مختلف الصُعد، وإتاحته فرصة أكبر للابتكار.
وكعادتها، فإن إمارة دبي، وبفضل الرؤية الاستشرافية لقيادتها الرشيدة، أخذت زمام المبادرة في تبنّي هذه التكنولوجيا المبتكرة، وشهدت الإمارة العديد من الخطوات السبّاقة في هذا المجال؛ فكان «ميتافيرس دبي» أول منصة افتراضية عالمية موجودة على خريطة واقعية في العالم، واستضافت المدينة أول قمة اقتصادية في العالم تُعقد في الميتافيرس، «انفستوبيا».
ودخلت سُلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضيّة إلى الميتافيرس، في خطوة هي الأولى من نوعها على المستوى العالمي. ثم تبلورت هذه الجهود بإطلاق «استراتيجية دبي للميتافيرس» الهادفة إلى ترسيخ مكانة الإمارة ضمن أفضل 10 مدن في الاقتصادات الرائدة في مجال الميتافيرس، وجعلها مركزاً رئيسياً لمجتمع الميتافيرس العالمي.
ونحن ندرك، في «دبي للثقافة»، أهمية الابتكار في تعزيز تنافسية الصناعات الثقافية والإبداعية، ولدينا قناعة راسخة بأن الابتكار والإبداع توأمان متلازمان في عصرنا الراهن. لذا، نواكب دوماً المتغيرات التقنية الحديثة، ونشجّع على استثمارها في القطاع، وقد كان لتقنية الميتافيرس نصيب وافر في مخططاتنا الاستراتيجية لهذا العام، عبر ابتكار مشروعات ودعم مبادرات تخدم الاقتصاد الإبداعي في الإمارة.
أحد هذه المشروعات تمثّل في «بيت سكة» ضمن مهرجان سكة للفنون والتصميم 2022، والذي شكّل مساحة رقمية بهندسة متطورة تضمنت أعمالاً فنية لمبدعين محليين وعالميين، وأتحنا من خلاله الفرصة أمامهم وأمام الجمهور لاختبار قوة التكنولوجيا واستكشاف عالم الميتافيرس.
كما كان المهرجان منصة لإطلاق «بينالي ميتافيرس 2022» الذي يُعتبر أحد أكبر المعارض الرقمية الافتراضية، والذي يضم 101 صالة عرض متصلة ببوابات نقل عابر، الأمر الذي يتيح للزائرين الانتقال الفوري والسلس من صالة إلى أخرى.
وفي مبادرة أخرى لمساعدة الفنانين في تلمّس عوالم هذه التقنية ومواكبة مستجداتها، تعاونّا مع «مورو كولكتيف»؛ وهي مبادرة رائدة في الإمارات لتنسيق المعارض الفنية الرقمية التي تمثل رموزاً غير قابلة للاستبدال (NFTs)، من خلال معرض 50/50 بمكتبة الصفا للفنون والتصميم.
احتفى المعرض بـ50 لوحة رقمية غير قابلة للاستبدال من إبداع فنانين مقيمين في الإمارات، حيث كانت هذه التجربة هي الأولى لبعض الفنانين المشاركين في إنتاج أعمال فنية رقمية من هذا النوع.
وفي إطار حرصنا على الحفاظ على التراث المادي وغير المادي لدولة الإمارات العربية المتحدة وتنويع أساليب عرض المادة الثقافية، أطلقنا مؤخراً «تحدي الابتكار الإبداعي» من خلال معرض جيتكس العالمي، معرض التكنولوجيا الأبرز في المنطقة الذي يستقطب أفضل الشركات الناشئة المحلية والإقليمية والعالمية في مجال التكنولوجيا والإبداع.
ويهدف التحدي إلى ابتكار حلول تقنية متطورة عبر العالم الافتراضي تساعد في استرجاع، وإعادة تخيل وإعادة تفصيل الأساليب التي يمكن من خلالها الحفاظ على التراث الوطني باستخدام التقنيات الحديثة للحصول على تجربة تفاعلية، يمكن للمستخدم عيشها والتفاعل معها، وحيث يتم سرد القصص من خلالها بنهج فعال يمكن من نقل وتبادل المعرفة عبر الأجيال.
رحلة تأسيس حضور القطاع في عالم الميتافيرس الغني بالفرص قد بدأت، وسنعمل في الفترة المقبلة على ترسيخ هذا الحضور بشكل موثوق، ومواصلة دورنا الفاعل في تمكين أدواته؛ ليكون داعماً جديداً لنمو الاقتصاد الوطني والإبداعي، ولتحظى إمارتنا بمكانة رياديّة جديدة على الساحة الدولية.
* مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي