تكثف قوى الضغط المرتبطة بجماعة «الإخوان»، ذات النفوذ الذي تشكل عبر عقود من الزمن، على بعض من بيده القرار في الإدارة الأمريكية، سواء في الكونغرس أو مراكز البحوث المؤثرة في المؤسسات التي تصنع القرار، أو تلك التي تؤثر في صنعه وصدوره في الغرب الأوروبي والأمريكي، من هجومها هذه الأيام على الدولة والنظام المصريين. الأسباب باتت معروفة، فالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر البلاد بها، وقد تراكمت بفعل عوامل داخلية وخارجية مختلفة، تغري تلك القوى بمواصلة التحامل والتشكيك والتحريض، مستندة كذلك إلى تسييس فاضح في واشنطن لملف حقوق الإنسان، فضلاً عما ينطوي عليه الارتباك البادي في إدارة الشأن العام، والتشوش الذي يلازم بعض قراراتها، والغموض الذي يحيط بصدورها، من عوامل مساعدة، تغذي ذلك الهجوم بمادة سخية لمواصلته، ومليئة بالشائعات والأكاذيب.
ليس مهماً هنا القول بأن تلك الحملات العدائية تتجاهل عن عمد التطور الذي لحق بملف حقوق الإنسان في مصر، بدءاً من تشكيل لجنة العفو الرئاسي، إلى توالي الإفراجات عن محتجزي الحبس الاحتياطي في قضايا رأي، إلى إصدار تعليمات رئاسية بإعادتهم إلى وظائفهم، فهذا ملف رغم بطئه، مطلوب لذاته، إذا كنا نسعى إلى توافق وطني، لعلاج مشكلات الواقع المصري، فمن شأن ذلك أن يسفر عن تخفيف التوتر المجتمعي، ويحد من المشاعر العدائية الناجمة عنه، وهو يكتمل بالإسراع في إجراءاته، وبإعلان وزارة الداخلية بياناً شاملاً بحقيقة أعداد المحبوسين في قضايا سياسية.
قد يكون من المفيد القرار الذي اتخذته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بإذاعة نشرات تليفزيونية متخصصة على مدار اليوم للرد على الشائعات التي تستهدف المجتمع المصري، لكن المؤكد أن الدعاية لا تصنع وحدها وعياً، ولا تمحو باطلاً، فبناء الوعي المجتمعي واكتساب ثقة المواطنين ورضاهم يتمّان بالشفافية التي أوجب الدستور على النظام الاقتصادي الالتزام بها، لما تقوم به من دور في إفساح المجال الواسع لنشر الحقائق والمعلومات حول القرارات التي تصدر والسياسات التي يجري تطبيقها، وما تلعبه من أدوار أكثر أهمية في مكافحة الفساد، وتضييق المجال أمام إساءة استخدام السلطة والتغول على المال العام، فضلاً عما تقوم به من دور شعبي في الرقابة، بجانب مؤسسات الدولة الرقابية، إضافة إلى أنها أحد أشكال المشاركة الشعبية في صنع القرار.
في هذا السياق، كان من الأكثر ملاءمة أن الدعوة لعقد مؤتمر اقتصادي تكون هي أحد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لا منفصلة عنه، بما يعزز دور هذا الحوار ويمنحه مصداقية أعلى. وفي نفس السياق، كان من الضروري أن يخرج المسؤولون ليشرحوا للرأي العام الأسباب التي أدت إلى تصفية شركات حيوية رابحة وبيعها لمستثمرين أجانب في تعارض تام مع المواد الدستورية التي تحرم المساس بالملكية العامة، وتحث على حمايتها، بينها أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية والإسكندرية للحاويات والبضائع، والكوك، ومصر للأسمدة.
فتلك الخطوات المباغتة تعزز آراء المشككين في جدوى مؤتمر الحوار الوطني، وتغذي الشائعات المنتشرة حوله.
خلاصة القول إن الدعوات الرسمية للارتقاء بالوعي المجتمعي والتصدي للشائعات، التي تستهدف جهود الدولة المصرية للتقدم والتنمية، لا تتحقق بالحملات الدعائية الإعلامية فقط، لا سيما إذا كان المكلفون بذلك لا يحظون بالثقة، فالشفافية التي توسع من نطاق نشر الحقائق، حتى لو كانت مؤلمة، وتشرك الناس في التوصل إلى سياسات تحقق مصالحهم ومصالح بلدهم، هي الطريق المضمون للاستقرار الأمني والاجتماعي، وهي الرد الأكثر فاعلية للحد من انتشار الشائعات، وإخراس مروجيها.