يشكل يوم 12 أكتوبر عام 1962 عنواناً «للحكمة النووية»، التي تحلى بها قطبا العالم في ذلك الوقت، ففي ذلك التاريخ منذ 60 عاماً نجحت واشنطن وموسكو في تجاوز أكبر أزمة، خلال الحرب الباردة، كادت أن تؤدي إلى حرب نووية بعد أن اكتشفت الولايات المتحدة الأمريكية أن الاتحاد السوفييتي السابق نشر صواريخ نووية في جزيرة كوبا، التي تبعد نحو 90 ميلاً فقط عن ولاية فلوريدا الأمريكية، وتم الخروج من ذلك المأزق بتوافق بين الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي، والزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف، الذي قرر سحب وتفكيك الصواريخ النووية من كوبا.
اليوم وبعد مرور 6 عقود على هذه الأحداث نحن أمام السيناريو نفسه، لكن ربما بمخاطر أكثر، حيث تدفع الحرب الروسية الأوكرانية العالم إلى «الحافة النووية»، بعد أن بات لدى دول «النادي النووي» ما يسمى بالرؤوس النووية «التكتيكية»، وهي رؤوس نووية صغيرة جداً، ويمكن استخدامها على مدى قريب، وفي مساحات ضيقة، وهو الأمر الذي يغري بالتحول في النظر للرؤوس النووية من «سلاح للردع» إلى «سلاح عملياتي»، فما هي سيناريوهات استخدام روسيا أو حلف الناتو للسلاح النووي في هذه الحرب، وهل يمكن أن نرى حكمة روسية- أمريكية على غرار حكمة كيندي وخروشوف؟
حشد نووي
المؤسف أن السنوات الست السابقة شهدت «حشداً نووياً» غير مسبوق من جانب الجميع في أوروبا، فالولايات المتحدة وحلف «الناتو»، قاما بنشر 150 قنبلة نووية من طراز «بي 61»، وفق ما جاء في الوثيقة الشهيرة للجمعية البرلمانية لحلف الناتو، والتي كتبها السيناتور الكندي جوزيف داي، كما كشف مركز الأمان النووي الأمريكي في 18 نوفمبر الماضي عن قيام الولايات المتحدة بمناورات لاختبار تحميل «القنابل النووية التكتيكية» على القاذفات الأمريكية من طراز «بي 21 ريدر»، لتكون جاهزة لضرب الأراضي الروسية، لكن الصدمة الكبرى كانت بوضع الولايات المتحدة خطة لتحويل 480 قنبلة من الطراز القديم «بي 61» إلى قنابل «تكتيكية حديثة» من طراز «بي 62 – 12».
ربما هذا ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «بالابتزاز النووي» عند حديثه عن إمكانية استخدام روسيا للأسلحة النووية، وهو أكبر مؤشر على خطورة الانزلاق نحو صراع نووي خاصة بعد المعلومات التي قالت إن واشنطن وحلفاءها الأطلسيين قاموا بالفعل بتحميل 10 قنابل نووية «تكتيكية» على القاذفات الجديدة من طراز «ثايدر»، خلال الفترة الماضية، وهو ما يعد استمراراً لنهج بدأ منذ فبراير 2020، عندما أعلن أعضاء الكونغرس من قاعدة القيادة الاستراتيجية للجيش في ولاية نبراسكا بأن الهدف من التدريب على تحميل القنابل الجديدة هو مواجهة استخدام روسيا لقنابل نووية تكتيكية ضد حلفاء واشنطن الأوروبيين أو الآسيويين.
عقيدة استباقية
يعتقد القادة الغربيون أن حديث الرئيس بوتين حول استخدام السلام النووي يجب أن يؤخذ على محمل الجد لعدد من الأسباب، في مقدمتها أن الرئيس بوتين قام بتغيير «العقيدة النووية» الروسية في عام 2020 لتسمح بـ«الضربة الاستباقية» بعد أن كانت أيام الاتحاد السوفييتي ترتكز فقط على «الضربة الجوابية»، كما أن التدريبات الروسية في جميع المحاور تقوم على فكرة استخدام السلاح النووي وفق العقيدة النووية الجديدة، التي كتبها الرئيس بوتين بنفسه، والتي تعتمد على سلسلة من الأدوات منها صواريخ كينغال وتسيركون وكليبر واسكندر، وجميعها صواريخ يمكن أن تصل العواصم الأوروبية.
المؤكد أن العالم يحتاج لحكمة كيندي وخروشوف للهروب من دائرة الحرب النووية، التي تحاصر الغرب والشرق معاً، فالعالم في حاجة شديدة لبناء السلام وليس لتدمير الأرض، لأن الجميع وقتها سوف يدفع الثمن.