في ذكرى رحيله الثانية والثلاثين، نستذكر المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، هو صاحب الحضور الدائم، بمبادئه ومآثره وإنجازاته، وهي في مجملها تعكس رؤية قائد فذ، امتلك صفات قيادية نادرة، عززتها قيم العمل والمثابرة والمتابعة والعطاء والإنجاز.

باني دبي الحديثة، حقق إنجازات مذهلة في إنشاء بنية تحتية قوية، وشبكة مواصلات عظيمة، وخدمات مجتمعية راقية، في ظل تحديات كبيرة، أهمها محدودية الموارد، وندرة الكفاءات في مرحلة مضطربة سياسياً، وفي منطقة شهدت الكثير من القلاقل الأمنية.

لم يستسلم الشيخ راشد لتلك الظروف الصعبة والتحديات الجسام، بل تصدى لها بفكره القيادي الاستثنائي، وحنكته السياسية، وإدارته الميدانية لشؤون الحكم في البلاد. واستنفر لشحذ همم الشخصيات المجتمعية ووجوهها وأعيانها وتجارها، لبدء مسيرة البناء والتنمية. وقد استعان في أحيان قليلة بالدول الشقيقة والصديقة في مرحلة البناء والتأسيس.

شاهدت منذ فترة بعض الوثائق والمراسلات المحفوظة في متحف بلدية دبي في منطقة الراس، تعود لستينيات القرن الماضي وسبعينياته، تطلب فيها الحكومة من بعض الدول الخليجية والعربية، تزويدها بالخبراء والمختصين للإسهام في بناء بعض الهيئات والمؤسسات وتنظيمها، والتي كانت ضمن المشروعات التي خطط لها الشيخ راشد آنذاك، كان منها، على سبيل المثال، متحف دبي والمرافق التعليمية والصحية، وكانت دولة الكويت الشقيقة، في مقدم الدول العربية التي أسهمت إسهاماً كبيراً في بنائها ودعمها لسنوات عديدة.

مكّنت السياسة التي كان ينتهجها الشيخ راشد، رحمه الله، مع دول الجوار والدول الصديقة، من بناء جسور قوية للتعاون، وتحقيق المنافع المتبادلة، وأكسبته كذلك، مصداقية عالية، ونال بها احترام قادة تلك المرحلة. وبعد قيام الاتحاد في عام 1971، عمل مع القائد المؤسس الشيخ زايد، رحمه الله، على تعزيز تلك المكانة المميزة، ورسخت الإمارات حضورها الإقليمي والدولي، بفضل سياساتها المتزنة، وعدم تدخلها في شؤون الدول الأخرى، واتسمت- وما زالت- بحضور إنساني وإغاثي استثنائي.

هي مسيرة الخير التي بدأها القائدان العظيمان، زايد وراشد، وإخوانهما المؤسسون، رحمهم الله.

في ذكرى الشيخ راشد، نستذكر هذا القائد المخلص الحكيم، وأستذكر ما قيل في وصفه، ولعل أبلغه، ما أنشده الشاعر مبارك بن حمد العقيلي، رحمه الله:

هو المجدُ فاصعد للعلا بسلامِ

‏ لك الله من كل الحوادث حام

هوتك المعالي وارتضتك قرينها

ولم تقترن عليا بغير همام

رميتَ وشاء اللهُ أنك صائبٌ

كما شاءه ربك فالله ربك رام

إلى أن قال:

أراشدُ هل باقٍ من الفخر فضله

لغيرك أم قد حزته بتمام

رحم الله الشيخ راشد، وجزاه عنا وعن وطنه وأمته خير الجزاء.