يتذكر سكان غرب روسيا، ودول بحر البلطيق، وكل مناطق شرق وشمال أوروبا «حرب الشتاء» التي اندلعت بين الاتحاد السوفييتي السابق وفنلندا في 30 نوفمبر 1939، وانتهت مؤقتاً بمعاهدة موسكو للسلام في 13 مارس 1940.

اليوم هناك اتفاق بين الجميع شرقاً وغرباً بأن شهور الشتاء القادم سوف تكون حاسمة للحرب بين روسيا من جانب وأوكرانيا والغرب من جانب آخر، ويتبع الطرفان «نظرية عض الأصابع» والرهان على من «يصرخ أولاً» في الحرب الشاملة ذات الأبعاد العسكرية والاقتصادية والدعائية الحالية، فهل تنتهي هذه الحرب مع نهاية الشتاء؟ وما هي رهانات كل طرف على جليد الشهور القادمة؟

السيناريو نفسه

سبب التشابه الكبير بين الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، وحرب فنلندا مع الاتحاد السوفييتي هو أن «المطالب الأمنية» للاتحاد السوفييتي من فنلندا لحماية منطقة لينينغراد كانت السبب في اندلاع تلك الحرب.

وعلى غرارها تسعى روسيا لحماية حدودها الغربية عبر مطالبة أوكرانيا بعدم الدخول في حلف الناتو، كما أن سيناريو حرب فنلندا مع الاتحاد السوفييتي يتشابه مع السيناريو الجاري للمعارك بين روسيا وأوكرانيا، فرغم الإمكانيات الهائلة للاتحاد السوفييتي خصوصاً في الطائرات والدبابات إلا أن خسائره أمام الفنلنديين كانت قياسية، وبسبب تلك الحرب تم طرد الاتحاد السوفييتي من عصبة الأمم التي انهارت لاحقاً، وهو أمر يتشابه اليوم أيضاً مع بعض الدعوات الغربية لطرد روسيا من الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

ورغم أن روسيا قلبت الطاولة في نهاية شتاء 1940، وحصلت على نحو 9 % من أراضي فنلندا، إلا أن صورة الجيش الأحمر كانت قد تضررت جداً خصوصاً في عيني هتلر، الذي اعتقد أن غزو الاتحاد السوفييتي سوف يكون «مجرد نزهة»، لكن الاتحاد السوفييتي انتصر في النهاية رغم الخسائر الهائلة.

كل الوثائق بما فيها الأمريكية تؤكد أن الاتحاد السوفييتي قدم نحو 33 مليون قتيل من أجل هزيمة النازية، منهم 28 مليون قتيل روسي، وهو مؤشر يدلل به الروس على أن خسائرهم في خاركييف ودونيستك وخيرسون وزباروجيا هي خسائر مؤقتة. كما يدلل أصحاب هذه الرؤية أن روسيا لم تخسر طوال تاريخها أي حرب في الشتاء، وكلما كان الجليد «صلباً» كلما شقت الدبابات الروسية طريقها نحو الجانب الآخر.

رهان روسيا ليس على هذا فقط، فموسكو تنتظر من الشعوب الأوروبية خلال شهور الشتاء «انتفاضة جماعية» ضد العقوبات الغربية، حيث إن حلول الظلام وبرودة الشتاء في أوروبا سوف يدفعان مواطني القارة العجوز للخروج في تظاهرات ضد حكوماتهم على خلفية نقص الطاقة بسبب تفجير خطي «نورد ستريم 1» و«نورد ستريم 2»، وتراقب موسكو بعناية الامتعاض الأوروبي من الأسعار الأمريكية للغاز، ومطالبة وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك ثم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علانية من الولايات المتحدة تخفيض أسعار الغاز لأوروبا بعد أن باتت واشنطن تصدر نحو 45% من الغاز لأوروبا بأسعار تساوي 3 أضعاف الأسعار التي يباع بها الغاز للمصانع في الولايات المتحدة.

استمرار الزخم

على الجانب الآخر تراهن كييف والغرب على الزخم الحالي الذي يحققه الجيش الأوكراني، وهناك اعتقاد لديهم بأن استمرار هذا الزخم بعد تدمير الطراد موسكفا، وتفجير جسر القرم، واستعادة مناطق واسعة في خاركييف وزاباروجيا وخيرسون، سوف يقود روسيا للانسحاب على الأقل لحدود 24 فبراير الماضي عندما انطلقت الحرب. كما تراقب أوكرانيا والغرب ما يوصف بأنه انتقاد شخصيات بارزة لسير العمليات العسكرية أمثال رمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان، وأندريه كوزريف وزير الخارجية السابق.

المؤكد أن شهور الشتاء سوف تكون حاسمة، ليس فقط في الحرب الروسية الأوكرانية، لكن ربما في مسيرة الاتحاد الأوروبي والعلاقات الأوروبية الأمريكية.