يعتبر مبدأ عدم التدخل من أهم المبادئ القانونية التي تحكم العلاقات الدولية في هذا العصر، ورغم أن ميثاق الأمم المتحدة لم تكن نصوصه واضحة وجلية في النص على عدم جواز تدخل الدول في شؤون الدول الأخرى، إلا أن هذا لا يعني أن ذلك جائز ومشروع، حيث إن الفقرة «7» من المادة «2» من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أنه: ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق.. إلخ».
وهذا ما جعل البعض يذهب للقول بأن مبدأ عدم التدخل اكتسب الصفة الإلزامية، ولم يعد بالإمكان الادعاء بشرعية التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وهذه الإلزامية تنصرف إلى الدول غير الأعضاء، وذلك انطلاقاً من التسليم بقاعدة عدم جواز التدخل لدى الدول الأخرى احتراماً لمبدأ السيادة الذي تذعن له الكثير من المنظمات الدولية.
ومن المسلم أن يكون معلوماً وجود ركائز هامة لمبدأ عدم التدخل وهي الأسس التي يقوم عليها هذا المبدأ ويحرض على حمايتها، وهما عبارة عن ركيزتين أساسيتين أولاهما: السيادة. وثانيتهما: المساواة بين الدول، حيث إن أولاها وهي «السيادة» والتي يعني بها احترام سيادة الدول من المسلمات الصريحة، وهو من أساس القانون الدولي، ولا خلاف على أنه يتوجب على الدول أن تحترم هذا المبدأ في علاقاتها مع بعضها، وبدون ذلك ستحتكم الدول إلى «قانون الغاب» الذي تعم من خلاله الفوضى، وعلى هذا الأساس المهم يحرم التدخل في شؤون الدول احتراماً لسيادتها.
وتجدر الإشارة أن مفهوم «السيادة» بمعناه العام ظهر منذ زمن بعيد، وإن لم تكن بنفس معناها الحالي، حيث عرفها الفقيه الروماني بروكلس: بأنها تحرر الدولة من أي سيطرة أجنبية. وعرفها الفقيه بودان: بأنها السلطة العليا على المواطنين والرعايا، والتي لا تخضع للقوانين، وهي سلطة مطلقة مستقلة عن أي سلطة أخرى، فلا يتقيد سلطان الأمير بقيد سوى أن قوانينه لا يمكن أن تغير أو قوانين الخالق والطبيعة، وكان لهذه الفكرة ما يبررها في تلك الحقبة من الزمن، حيث كان السلطان المطلق لرأس الهرم وما يؤكده ذلك الفقيه في تعريفه، حيث ربط السيادة بالسلطة المطلقة والتي لا يمكن تقييدها إلا إذا اصطدمت بقوانين سماوية أو طبيعية، وبالرغم من أن غايته كانت استقراء للأسس الداخلية للدولة، إلا أن مفهومه للسيادة صار معياراً لتنظيم العلاقات الدولية، وتمسكت الحكومات في الدول بمعيار السلطة المطلقة، إذ كانت ترى بأن الاستقلال الخارجي لا يعني شيئاً إذا لم تمارس سلطانها المطلق داخلياً.
والركيزة الثانية هي «مبدأ المساواة بين الدول» والتي يعني بها أن تتمتع جميع الدول بالحقوق المترتبة على سيادتها، وأن تحترم سلامة أراضيها واستقلالها، وعليه يعتبر حق المساواة أمام القانون الدولي نتيجة منطقية لاستقلال الدولة، فكل الدول تمتلك الحقوق نفسها المقررة في القانون الدولي وتترتب عليها الواجبات نفسها، فلا يمكن تمييز دولة دون أخرى لأي اعتبار كان، وإلا اعتبر ذلك تعدياً على القانون الدولي وإخلالاً بحقوق وواجبات الدول كافة.
وذهب عدد كبير من المختصين بأن نشأة فكرة «المساواة بين الدول» تعود إلى معاهدة «وستفاليا» سنة 1648 التي قضت على فكرة وجود رئيس أعلى يتصرف في الشؤون الداخلية الدولية، إلا أن البعض يرى بأن هذا المبدأ يجد أساسه في القانون الطبيعي، حيث يقول أحد الفقهاء: جميع الأمم متساوية في مقابل بعضها بعضاً طبقاً للطبيعة، حيث إن الأمم تعتبر مثل الأفراد الذي يعيشون في حالة طبيعية، ولذلك طالما أن الأفراد متساوون طبيعياً فإن الأمم أيضاً متساوية بحكم الطبيعة.
وفي الختام تجدر الإشارة بأن دولة الإمارات العربية المتحدة تولي هذا المبدأ أهمية بالغة وراية راسخة في مبادئها العظيمة، حيث إن الدولة من أوائل الدول التي نادت ولا زالت تنادي باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهذا نهج سار عليه الأب المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، وأكمل قادتنا من بعده النهج، وذلك وفق لما قررته المادة «12» من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة بالعمل وفق ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة.