رغم التقييمات المتشائمة بعدم وجود أية فرصة لوقف الحرب في أوكرانيا إلا أن الرسالة التي أرسلها 30 نائباً ديمقراطياً في الكونغرس الأمريكي للرئيس جو بايدن، والتي تدعوه للبحث عن طريق لوقف الحرب في أوكرانيا تفتح الباب أمام البحث الجاد عن حلول سلمية للأزمة ترضي الطرفين، وهي صيغة جديدة في الخطاب السياسي للكونغرس الذي كان يصر خلال الشهور الثمانية الأخيرة على أن الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة هو هزيمة روسيا.
وأكثر من يلفت النظر في هذه الرسالة أن هناك نواباً من الجناح التقدمي واليساري من الحزب الديمقراطي وقعوا على هذه الرسالة، منهم النائبة الديمقراطية البارزة براميلا جايابال رئيسة التجمع التقدمي في الكونغرس، وهو الفريق الذي ظل يدفع بكل أشكال الدعم العسكري لأوكرانيا، وهو ما يؤكد أن «فاتورة الحرب» باتت مكلفة للجميع حتى للولايات المتحدة التي تبعد نحو 10 آلاف كلم من أوكرانيا. فما العوامل التي يمكن أن تدفع نحو خلق «أمل جديد» لوقف تلك الحرب؟
حافة الهاوية
رغم الخلاف حول رؤية كل طرف للحرب إلا أن الجميع في روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو متفقون على أن الوضع بات على حافة الهاوية، فروسيا تتهم أوكرانيا بتجهيز «القنبلة القذرة»، بينما يرى الغرب أن هذا الاتهام «إخراج» و«تبرير» لاستخدام أسلحة محرمة في أوكرانيا بعد أن حذر الرئيس بايدن من معركة «هرمجدون» النووية، وما قيل عن رصد الأقمار الصناعية تحركات روسية لنقل قنابل نووية «تكتية» في الغواصات بالبحر الأسود وجزيرة «كولا» في أقصى الطرف الشمالي الغربي الروسي المطل على أوروبا، وهو خيار غير مستبعد بعد إعلان روسيا مد «المظلة النووية» على المناطق الأربع التي ضمتها في دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا، كما أن إرسال 9 آلاف جندي روسي إلى بيلاروسيا قد يكون مقدمة بنظر البعض لتوسيع الحرب ليس فقط بدخول بيلاروسيا فيها بل لدخول دول مثل بولندا وليتوانيا وإستونيا ولاتفيا، وهو التفسير الوحيد لوصول «الفرقة 101» الأمريكية المحمولة جواً لأقرب مسافة من الأراضي الأوكرانية.
الضربة القاضية
لكن أكثر ما يمكن أن يدفع الجميع للبحث عن حل هو فشل الطرفين الروسي والأوكراني، حتى الآن، في فرض حل عسكري كامل وتوجيه ضربة قاضية للطرف الآخر، ففي حين تراجعت روسيا للدفاع عن المقاطعات الأربع التي ضمتها الشهر الماضي وتعرضت لضربات موجعة أبرزها تدمير خطي نورد ستريم الأول والثاني واستهداف جسر كيرتش في القرم، لم يتوقع الناتو «الهجوم الإغراقي» الروسي على أهداف البنى التحتية في أوكرانيا بهذا الشكل الشامل، وهو ما ينفي فكرة الانهيار السريع لأي طرف، وأن العناد السياسي قد يقود لحرب استنزاف طويلة يخسر فيها الجميع.
الواضح أيضاً في الأسابيع الأخيرة أن الجميع بات يسأل نفسه إلى أي مدى يستطيع الصمود والبقاء في الميدان في ظل تراجع موارد الدول الأوروبية في مواجهة الأزمة، فما حدث في بريطانيا بات يقلق الجميع، والضربات الروسية الأخيرة في نحو 1000 هدف ومدينة جدد موجات اللجوء للدول الغربية التي أصبحت تعلن عن عدم قدرتها على استيعاب اللاجئين، وخير مثال لذلك دول غنية للغاية مثل سويسرا التي قالت فيها أمانة الهجرة إن مواردها المخصصة للاجئين باتت تنفد، وإن تخصيص «سقف وسرير» لموجة جديدة من اللاجئين يتطلب موارد ضخمة وجهوداً غير مسبوقة.
ولا شك في أن خوف الديمقراطيين من «اكتساح جمهوري» للكونغرس يؤكد من جديد ضرورة إدراك الجميع في الغرب وروسيا الحقائق على الأرض، «والتحلي بالواقعية النافذة الوحيدة التي يمكن أن يطل منها الحل للحرب الروسية الأوكرانية.