أثر شكر النعم في تعزيز الاستقرار

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعيش الإنسان في هذه الحياة متقلباً بين المواقف والظروف، باحثاً عن أسباب السعادة والهناء والاستقرار، تواجهه الضغوط أحياناً.

فيبحث له عن متنفس، ومن أعظم ما يتسلح به في هذه الأحوال وفي كل حال شكر النعم، بأن يتذكر ما هو فيه من الخير العميم، ويرى الحقائق بعين البصيرة النافذة، فإن الإنسان إذا فتح عينيه وأزال عنهما الغطاء لرأى نعم الله الغزيرة تحيط به من كل جانب، من أسفله وأعلاه، ومن يمينه وشماله، كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها}.

إن شكر النعم ذخيرة في الدنيا والآخرة، وهو من أعظم أبواب السعادة، فالشاكر ينظر إلى حياته نظرة إيجابية، يُبصر ما فيها من النعم، فيمتلئ سعادة وهناء، ويزداد تفاؤلاً وأملاً، ويكون أقدر على مواجهة التحديات بروح عالية، فتكون نفسه مطمئنة مستقرة، ويكون في أسرته ومجتمعه شجرة لا تثمر إلا الاستقرار والأمان.

ونظراً لما تمثله هذه القيمة من أثر في استقرار المجتمعات سعت التنظيمات الحركية إلى كسرها، وإفقاد الإنسان أي شعور بما يعيشه من نعم، وإيهامه بأنه مسلوب من كل شيء.

وعملت على التركيز على جوانب النقص حصراً، وتضخيم السلبيات حتى تغطي على كل شيء، ليتسنى لهم من خلال ذلك القيام بأي حراك يصب في خدمة أجنداتهم التحريضية.

ولا شك بأن الإنسان الواعي لا يقع في هذه الفخاخ، فلا يكون أداة لأي جهة تريد تحريضه ضد وطنه باسم الحقوق أو الحريات أو غيرها، بل يستحضر ما حباه الله من النعم الغزيرة، وأما السلبيات والنقص فلا يخلو منه أي مجتمع على وجه الأرض، بل ولا يخلو منه أي فرد، وللتعامل معه وإصلاحه طرق ووسائل علاجية حكيمة.

وقد أكد على فضيلة الشكر وحاجة المجتمعات والحضارات إليها الحكماء، واعتبروها من أعظم الفضائل، كما أكدها علم النفس المعاصر، فظهر مفهوم الامتنان والتقدير ونحوهما، وأثر ذلك في رفع مستوى الرفاهية، وتحسين الصحة البدنية، وضبط النفس، ورفع مستوى الدافعية والتحفيز، وتنمية القيم الإيجابية مثل التفاؤل والأمل والتعاطف، وظهرت العديد من الدراسات حول ذلك، والتي تؤكد على عظم أثر هذه القيمة في استقرار الفرد والمجتمع.

وقد كان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في هذا الباب، سواء في قوله ووصاياه، أو في فعله وواقعه العملي، حتى أنه كان يقوم فيصلي ويطيل القيام حتى تتورم قدماه، فيُسأل عن ذلك فيقول: «أفلا أكون عبداً شكوراً»، وعلمنا أن نكون شاكرين في جميع أحوالنا، فنحمد الله تعالى على نعمة الطعام والشراب في كل أكله وشربه في مختلف أوقات يومنا، قال عليه الصلاة والسلام:

«إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ‌ويشرب ‌الشربة فيحمده عليها»، بل وأن نستفتح يومنا بالشكر، فإن مجرد الاستيقاظ من النوم واستفتاح اليوم الجديد نعمة عظيمة، وما أجمل أن يستفتح الإنسان يومه بالشكر واستشعار نعمة الحياة، ولذلك علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نقول في هذا المقام:

«‌الحمد ‌لله ‌الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه ‌النشور»، وهكذا نعيش مع الشكر سائر يومنا من أوله إلى آخره، في سائر ساعاته وأوقاته، ومواضع شكر النعم لا تعد ولا تحصى.

ومن أعظم النعم علينا في دولة الإمارات نعم الوطن، وما فيه من الوحدة والتلاحم والبيت المتوحد، والقيادة الرشيدة التي جمع الله على أيديها الكلمة ووحَّد الصف، وقد ذكَّرنا الله تعالى بهذه النعمة فقال:

{واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}، وكذلك ما تحقق بسبب ذلك من النعم الغزيرة والخيرات الوفيرة، حتى أصبحنا من أسعد شعوب الأرض، وذلك يقتضي منا دوام شكر الله تعالى، والمحافظة على هذه النعم، وعدم التفريط فيها.

إن الاستقرار قيمة مهمة في حياة الأفراد والمجتمعات، وكذلك هو مقوم أساسي لنهضة الأوطان، يسعى إليه الجميع، ويبحث عن أسراره العقلاء في كل مكان، وشكر النعم من أعظم مفاتيحه التي لا غنى للأفراد والمجتمعات عنها.

* كاتب إماراتي

 

Email