موجات التغيير الإداري

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يُوكَل لمسؤول كبير مهمة التغيير سيجد نفسه أمام أربعة أنواع من التغيير الإداري (موجات). فهناك من «يركب» موجة التغيير من الموظفين وهناك من يعاندها اعتقاداً منه أن في وسعه السباحة عكس التيار.

والناس بطبيعتها تقاوم أي تغيير إذا لم تكن جزءاً منه. ولذلك كان من المهم تأمل أنواع التغيير الإداري. فالأول، «التغيير المخطط له» planned وهو ما يحدث عندما يقدم القياديون الموظفون على التغيير المتعمد لمحاولة الاستجابة لضغوطات معينة أو مشكلات استجدت. وهنا تكون المقاومة في أدنى صورها، لأننا أمام مشكلة يرى الجميع أبعادها أو عمقها. ولذلك فإن أول عقبة في حل المشكلات تبرز عندما لا يعترف متخذ القرار بوجود المشكلة أصلاً. فكيف يمكن أن نبدأ في الحل؟

ويجد المقدمون على التغيير أنفسهم أمام تغيير ثان وهو «غير مخطط له» unplanned ويقصد به التغيير الذي يحدث فجأة أو بطريقة عشوائية من دون أي نوايا مقصودة لمشكلة ما.

وهناك النوع الثالث وهو «التغيير التدريجي» evolutionary وهو عندما يتعمد متخذو القرار إدخال محاولات تغيير تدريجية لاعتبارات عدة، تراعي طبيعة العمل أو مزاج الناس أو مدى تقبل العميل الخارجي للتغيير المفاجئ. وهذا ما يلجأ إليه في تغيير النكهات أو تحسينات المنتجات الشهيرة. ويلجأ إليه أيضاً عند تغيير نظام العمل المرتبط بقطاع عريض من الناس أو المرتبط ارتباطاً مباشراً بخدمات أو منتجات تمس بصورة مباشرة الجزء الأكبر من إيرادات المؤسسة وهكذا. فيفضل التأني أو التدرج عندما يرتبط الأمر بتغيير سوف يؤثر على دخل المؤسسات أو تطفيش نوابغها أو كفاءاتها.

وهناك التغيير الثوري revolutionary أو الذي يكسر طوق الوضع الحالي frame breaking حسبما يطلق عليه الدليل الإرشادي للتغيير المؤسسي والإبداعي الصادر عن جامعة أوكسفورد. ويتصف هذا التغيير بالسرعة الكبيرة والدراماتيكية وهو بلاشك يثير مخاوف كثير من العاملين. وأفضل مثال على ذلك ما فعله المالك الجديد لشركة «تويتر» أيلون ماسك بعد استحواذه على الشركة بسعر 44 مليار دولار في صفقة شهيرة. حيث جلب في أول يوم عمله له «مغسلة» حملها أمام عدسات الكاميرات ووضعها عند مدخل الشركة في إشارة إلى اعتزامه «تنظيف الشركة» وقد فعل عندما سرح نصف الموظفين برسالة بريدية صادمة، وقد أعلن أنه سوف يسرح نحو 75 في المئة منهم حيث كان عددهم الإجمالي 7500 موظف. وطبق رغم معارضات كبيرة رسوماً شهرية على من يحمل علامة الموثوقية الزرقاء. واعتبر البعض تصريحاته عن حرية الرأي بأنها استفزازية الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي بايدن للتعليق عليه وكذلك مجموعة من أعضاء الكونغرس.

بشكل عام يمكن أن نقول إن إيلون ماسك كقيادي يتوقع منه التغيير أياً كان نوعه. ذلك أن القيادي يحبذ التغيير في حين أن المدير يميل نحو عدم تغيير الواقع تغييراً جذرياً لأنه سوف يدفع ثمن التدريب والتأهيل والأخطاء من جديد. فالقائد عادة لا ينشغل بالصغائر لكن يشغله الهدف الأسمى أو الصورة الكلية المرجو تحقيقها. ولهذا عندما يعارض المديرون التغيير المطلوب من دون أسباب وجيهة لا ينبغي أن يأخذ كبار القياديين كل آرائهم على محمل الجد. فالتغيير يتطلب أحياناً كثيرة التغاضي عن المعارضات «العاطفية» إذا ما تعارضت مع المصلحة العليا.

وبالمناسبة يقاوم الموظفون التغيير لدواعٍ عدة، منها أسباب مؤسسية مرتبطة بالثقافة السائدة، أو المحافظة على المكتسبات أو التوقيت الخاطئ أو عدم الاستفادة الشخصية من التغيير نفسه. ويقاوم الناس التغيير لأسباب مرتبطة بالمجموعة نفسها مثل الخشية على روح الانسجام بين أفراد المؤسسة أو الإدارة فضلاً عن أمور مرتبطة بالعادات والتقاليد المؤسسية السائدة أو ربما لخشيتهم من فقدان رئيسهم المباشر. ولهذا يحرص بعض المسؤولين على طمأنة بعض القطاعات أو الإدارات بأن التغيير الجذري لن يطالهم. ذلك أن أسوأ ما يحدث عندما يترك الكفاءات المؤسسة لظنهم أنهم سيتم التضحية بهم وهو أمر لا تعتزم الإدارة العليا فعله.

ولذلك عندما تهب رياح التغيير، لابد من تحديد موعد توقف ذلك التيار، حتى لا يجرف الجميع معه. فكل تغيير له موعد بداية ونهاية بخلاف التغيير التدريجي الطبيعي والمتوقع من الجميع الذي يستمر كنوع من التحسين والتطوير.

 

Email