تشكل دعوة الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي، للقيادة والجيش الأوكراني للتفكير في السلام ووقف الحرب «بارقة أمل» لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية التي تدخل شهرها العاشر، ليس لأنها تصدر عن شخصية عسكرية أمريكية رفيعة، بل لأنها تكررت أكثر من مرة، وهو ما يؤكد أن البيت الأبيض وحتى أعضاء في الكونغرس يدعمون هذه الدعوة، رغم تأكيد البيت الأبيض أن المفاوضات قرار تتخذه كييف وليس واشنطن.
هذه الدعوة لوقف الحرب تكررت في أوروبا التي بات مواطنوها على قناعة كاملة بأنهم سيدفعون ثمن هذه الحرب لسنوات طويلة مقبلة، فهل حان وقت السلام؟ وهل تكون نهاية هذا الشتاء بداية النهاية لهذه الحرب التي لا معنى لها حتى الآن؟ وهل بات هناك عقلاء في واشنطن وموسكو والعواصم الأوروبية للاكتفاء بما حل بالبشرية نتيجة هذه الحرب من تضخم، وخراب للبيوت، وضياع للمدخرات، ومعاناة لن تنتهي تداعياتها المخيفة حتى بنهاية هذه الحرب؟
الواضح أن الجميع دفع ثمناً لهذه الحرب، ولعل أبرز ما قيل عن تلك الخسائر هو تقييم الجنرال ميلي نفسه، الذي عبر عنه بأن كلاً من روسيا وأوكرانيا خسرت نحو 50 ألف جندي لكل طرف، ناهيك عن تقديرات أخرى بمقتل 40 ألف مدني، ونزوح 10 ملايين أوكراني من بيوتهم ومناطقهم، وأن أوكرانيا تحتاج 300 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب حتى الآن، وأن استمرار موجات الهجمات الجوية الروسية على البنية التحتية الأوكرانية قد يضاعف تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية الأوكرانية.
حقائق
ورغم مأساوية الخسائر لدى الطرفين فإن الجميع بات اليوم «يدرك الحقائق»، وفي مقدمة تلك الحقائق أن «النصر العسكري الكامل» لا يمكن أن يتحقق لطرف دون آخر، ولا يمكن لأحد أطراف الحرب أن يلحق بالآخر «ضربة قاضية»، وأن استمرار الحرب يعني «نزيف نقاط» للجميع، فالرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي خسر الأغلبية في مجلس النواب «سوف يعاني حال رغبته في تمرير مزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد الحزمة الحالية التي تتجاوز 40 مليار دولار، كما أن قانون «الإيجار والاستعارة»، الذي أقره الكونغرس لمساعدة أوكرانيا سوف يتوقف دوره فقط على «تسريع الإجراءات البيروقراطية» لوصول المساعدات التي سبق أن أقرها بالفعل الكونغرس، وهو أمر يجب على القيادة الأوكرانية أن تأخذه في الحسبان، لأن الجميع يدرك أن الفارق الوحيد بين السيطرة الروسية «الخاطفة» على شبه جزيرة القرم عام 2014، والوضع الحالي، يعود حصرياً للأسلحة الأمريكية والدعم الغربي، وأن وقف أو بطء وصول هذه الأسلحة لن يكون في صالح الأوكرانيين.
معاناة
كل هذه التحديات التي تواجهها سواء الأطراف المتحاربة أم تلك البعيدة عن ساحة الحرب تقول إن «أجراس السلام لا بد أن تعمل الآن»، خصوصاً أن الشهور المقبلة لن تكون مثالية للطرفين في ظل معاناة الأوروبيين جراء مشكلات الطاقة والتضخم، وضعف حماس الأمريكيين للحرب، وبدء مراجعة كبيرة وعميقة لدى المواطنين الروس والأوكرانيين حول هذه الحرب، التي يعترف كثير من الروس والأوكرانيين أنهم عائلة واحدة وشعب واحد، وأن أكثر خطوة شجاعة يمكن أن يتخذها القادة في الكرملين والبيت الأبيض هي التخطيط لوقف الحرب مع حفظ ماء وجه الجميع.