حرمني وجودي خارج القاهرة في مهمة عمل من تلبية الدعوات للمشاركة في احتفالات العاصمة المصرية بمرور 50 عاماً على بدء العلاقات المصرية المميزة مع دولة الإمارات، فأتتني فرصة التمتع بمشاعر محبة صادقة، قل نظيرها في العلاقات الدولية، يتبادلها مصريون وإماراتيون، رسميون وغير رسميين، مثقفون وفنانون وكتاب وصحافيون. خسرت دون إرادتي فرصة نادرة طالما كنت أتوق إليها للاستمتاع وجهاً لوجه بصوت الفنان حسين الجسمي في الحفل الذي جمعه عند سفح الأهرامات مع الفنان عمرو دياب. وقع المصريون في غرام حسين الجسمي منذ النغمة الأولى والكلمة الأولى والطلة الأولى، والمكانة الرفيعة التي بات يحظى بها الجسمي في مصر، وفي كل محيط ينطق العربية، صنعها صوته الحنون العذب والشجي، ومواهبه المتنوعة، التي متعه الله بها، في الغناء والتلحين وكتابة الأغاني، فضلاً عن حضوره الآسر، وتواضعه الجم في كل وقت وأي مكان، حين يطرب وحين يتحدث وحين يرد التحية لجمهوره، ولعارفي فضله في ساحة الغناء العربي.

«مصر والإمارات قلب واحد».. كان ذلك شعار الاحتفال باليوبيل الذهبي للعلاقات بين البلدين، فما أجمله من شعار وما أصدقه! عجزت الأرقام التي انطوت عليها كلمات المتحدثين في الندوات والتغطيات الصحافية والإعلامية عن ارتفاع حجم الشراكة الاستثمارية والتجارية والصناعية بين البلدين عن أن تشي بما وشت به كلمة «قلب واحد» من دلالات عن المشاعر العميقة والمتفردة التي تربط الدولتين. إنه تعبير عن العواطف الحية المتدفقة، التي يحملها المصريون لشعب وقادة دولة الإمارات، سواء منهم من يعملون بها، ويختزنون دوماً حكايات وتجارب مضيئة حين العودة المؤقتة أو الدائمة، أو من يتابعون عن بعد بشغف وإعجاب مشوب بفخر تجربة دولة عربية توظف كل ما تملكه من إمكانات مادية وبشرية لتفرض حضورها بقوة على خريطة المجتمع الدولي، ولتنافس في ساحتة المليئة بالتحولات العاصفة والتحيزات غير المنصفة، وتنجح في تخطي العقبات، والدخول طرفاً في الاكتشافات العلمية والتكنولوجية والفضائية، فضلاً عن التجارب الناجحة التي تقدمها في مجالات التعليم والتنمية الثقافية والاقتصادية والطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي، الذي يجري العمل لكي يعمم استخدامه في كافة الخدمات عند الوصول إلى العام 2031.

سكن الأب المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، قلوب المصريين. كان العالم يتغير والتأثير الدولي على منطقتنا ينتقل من بريطانيا العظمى إلى الولايات المتحدة، وبعد عام من توليه السلطة وقعت هزيمة يونيو1967، فبادر لمساعدة الرئيس جمال عبد الناصر، لإعادة بناء الجيش المصري، وتخطي المشاكل التي خلفتها الهزيمة، استناداً لموقفه العروبي والوحدوي المبدئي الذي تمسك به حتى النهاية، حين قال إن «مصر هي بمثابة القلب للعرب، فإذا توقف القلب، لن يكتب للعرب حياة»، وهو الموقف ذاته الذي اتخذه أثناء حرب أكتوبر 1973، بعد نحو عامين من خطوته الفريدة، ليس فقط في توحيد سبع إمارات في أول دولة فيدرالية عربية، بل كذلك في إرساء المبادئ التي آلت إليها، فالنموذج الذي تقدمه دولة الإمارات للوحدة عبر التنوع، الذي تجلى في التعايش المشترك لكل الأجناس والديانات والثقافات والمذاهب فوق أرضها، صار نموذجاً ملهماً يكشف مزاعم من يتخذون من مثل تلك الاختلافات ذريعة لحروب أهلية تقضي على الأخضر واليابس.

يحق للعرب أن يفخروا أن جيلاً جديداً من القيادات في منطقة الخليج العربي، يتقدم بخطى حثيثة لبناء دولة حديثة بمعايير القرن الواحد والعشرين، يوظف ثروات النفط لرفاهية شعوبه وتقدمها، ونهضتها، ومساندة من يحتاجون إلى عونه من دول فقيرة ونامية، وخدمة جهود البشرية لمواجهة التغير المناخي.

جيل جديد من الحكام العرب يتقدم مسلحاً بالعلم والمعرفة، وبرؤى اجتماعية وثقافية وسياسية جديدة، تمنح طاقات الشعوب الإبداعية مجالاً للتحقق، متكئاً على قاعدة عريضة من رضا شعبي. جيل جديد، تفرض سياسات بلاده الخارجية حضورها بقوة على خريطة المجتمع الدولي، وتأثيرها في الواقع المحلي والإقليمي، لتقول إن العرب هنا، قادرون على الاعتماد على الذات لتطوير أوطانهم، والإسهام في تهدئة الصراعات الدولية، وإن لهم حقوقاً لم يعد بمقدور أية قوة تجاهلها أو غض الطرف عنها، وتلك هي السمات التي طبعت خلال نصف قرن نمطاً فريداً من العلاقات بين مصر والإمارات، لتجعل منه نمطاً يؤمل أن يحتذى بين الدول العربية كي تصبح بحق «قلباً واحداً» يكتسب مكانته من خدمة مصالح الأوطان والشعوب.

* رئيس تحرير «الأهالي» المصرية