نتكيف ونقود الأمن الغذائي

ت + ت - الحجم الطبيعي

التفكير فيما سنأكل غداً وبعد الغد لم يعد حيرة، هل نأكل دجاجاً وأرزاً مع الخضروات المطهية، أم لحماً ومعكرونة مع السلاطة الخضراء! كما أنه ليس رفاهية التردد في الخروج على قواعد الطعام الصحي، فنطلب البرغر بالجبن أو بيتزا بالمأكولات البحرية. التخطيط لما سنأكل غداً يقترب من «هل سنجد ما يكفي، أم نواجه شحاً في الغذاء؟»

خطر شح الموجود أو تغير معادلات التوازن أو اختفاء الغذاء برمته لم يعد فكرة مثيرة يعمل عليها صناع السينما أو يعكف على كتابتها أدباء الخيال العلمي. إنه يحلق في الأجواء.

قبل سنوات قليلة جداً مضت، بدأت منظمات أممية ودولية تعنى بالبيئة والمناخ والغذاء تتحدث عما يجري في الكوكب منذ عقود ونحن عنه غافلون أو منشغلون. خلاصة الحديث كانت توقعات مشوبة بلهجة تحذيرية من أن التغير المناخي سيؤثر، وفي أقوال أخرى قد يؤثر، على ما نأكل، لكن الغالبية انشغلت في أمور أخرى.

أمورنا الأخرى اليوم تبدو تافهة حين نقارنها باحتمالات أن نستيقظ ذات صباح، فنجد موائدنا شبه فارغة أو ذات مكونات وكميات تختلف تماماً عما اعتدناه، وذلك على أحسن تقدير.

تقدير العلماء والخبراء قبل نحو عقد كان يدور حول احتمال كبير لتغيرات جذرية في أماكن زراعة أنواع بعينها من المحاصيل، وذلك بسبب الارتفاع الطفيف لكن المستمر في درجات الحرارة في مناطق عدة في العالم. هذا الارتفاع يعني تغير نوعية المحاصيل وكمياتها وانعكاس ذلك المباشر على إمداد السكان بالكميات والنوعيات نفسها التي كانوا يحصلون عليها.

وقتها، ارتفعت الأصوات المستنكرة لهذا السيناريو المخيف قائلة بأن المحاصيل ستتغير، لكنها لن تختفي، وبدلاً من اعتياد أكل الأرز سنأكل عدساً! لكن اتضح أن الأمر ليس بهذه البساطة أو الخفة. واتضح أنه حتى في حال استمرار إنتاج الغذاء باختلاف المكونات والأماكن، فإن تأمين الغذاء أصبح تحدياً.

هذا التحدي، الذي لن يفرق بين الثمانية مليارات شخص على ظهر الكوكب، فرض نفسه مكوناً رئيساً في محادثات قمة المناخ «كوب 27» في شرم الشيخ في مصر. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ محادثات قمم المناخ التي يتم فيها تخصيص يوم كامل لمناقشة هذا الملف بالغ الأهمية. وإذا كان تضخم أسعار الغذاء والمشكلات الضاغطة بسبب حرب روسيا في أوكرانيا ومشكلات توريد الحبوب تشكل أزمة واستمرار آثار وباء «كوفيد 19»، فهي تظل أزمات طارئة رغم فداحتها. لكن الحقيقة هي أن تغير المناخ والطقس الذي أصبح يؤثر سلباً على العديد من المحاصيل في العالم ليس أزمة طارئة ننتظر حلها على طاولة مفاوضات أو اتفاق سلام.

سلام العالم، أو ما تبقى من مناطق تتمتع بالسلام في العالم، بات في مرمى خطر تغير المناخ وأثره على الغذاء. وإذا كان 40 في المئة من المحاصيل الزراعية في العالم مهدداً بالانقراض بسبب التغيرات في المناخ، بحسب ما حذرت منه دراسة أصدرتها قبل أسابيع منصة «غلوبال سيتيزن» أو «مشروع الفقر العالمي»، فإن الأمر يمكن تداركه إلى حد ما.

لكن لو مر مرور الكرام، فستستمر ملوحة التربة وارتفاع درجات الحرارة وزيادة الآفات والأمراض في الضغط على المزروعات التي ستفقد تدريجياً قدرتها على التكيف وتضطر إلى الاختفاء!

وأزمة الغذاء التي تلوح في الأفق، لأسباب يتعلق أغلبها بالمناخ وعبث الإنسان به على مر عقود طويلة، لا تقف عند حدود المحاصيل الزراعية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، يصاب واحد بين كل ستة أشخاص بمرض منقول عبر الغذاء بسبب موجات الحرارة أو انقطاع الكهرباء وتلف مكوناته نتيجة لذلك.

الأمر إذاً لا يتعلق بأفريقيا فقط، حيث التحذير الكلاسيكي من شح الغذاء والفقر والجفاف، وحيث ارتفاع درجات الحرارة المستمر قد يؤدي إلى معاناة 310 ملايين شخص من الجوع المزمن مع حلول عام 2030.

كذلك الحال بالنسبة إلى المنطقة العربية، فقد انضمت إلى المناطق المعرضة أو المتضررة من خطر الجوع. وبحسب تقديرات عام 2021 الصادرة عن «منظمة الأغذية والزراعة»، بلغ عدد من يعانون نقص التغذية نحو 54،3 مليون شخص أي 12،2 في المئة من العرب.

لكن دفة الخطر ما زالت قابلة للتعديل. المحادثات المستفيضة والجهود التاريخية التي بذلتها مصر في «كوب 27» في هذا الصدد غير مسبوقة. والنجاح الهائل لـ«مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ»، التي تقودها الإمارات وأمريكا أسفر عن تسجيل التزامات 23 دولة في العالم بتوجيه استثمارات بقيمة ثمانية مليارات دولار لنظم الزراعة الذكية مناخياً.

الأمم المتحدة حذرت: «تكيف أو تضور جوعاً»، ونحن نقول: «لن نكتفي بالتكيف بل سنقود جهود الأمن الغذائي». والمزيد في «كوب 28» في الإمارات قريباً.

* كاتبة صحافية مصرية

Email