يبدو أن إكسبو 2020 في دبي وكأس العالم في الدوحة 2022 قد فتحا أعين الغرب مجدداً على اختلاف الثقافات وعلى وجود عالم آخر يختلف ثقافياً وفكرياً واجتماعياً عن الغرب.

لم ينظر الغرب مطلقاً من قبل إلى منطقة الخليج العربي إلا على أنها بئر بترولية تضخ للغرب وللعالم أجمع ما يحتاج إليه من النفط والغاز، وربما لم يتساءل مطلقاً عن ماهية الثقافة الاجتماعية السائدة والأفكار الرائجة والقيم التي تقوم عليها مجتمعات الخليج، فما كان يهمه في الماضي هو أن تظل عجلة مصانعه تدور ببترول أو غاز الخليج، أما الجانب الحضاري من ثقافة تلك الدول فلم يحتل حيزاً مهماً من اهتماماته، ولكن تلك الفعاليات الكبرى التي احتضنتها دول الخليج أخيراً، وجاء من أجلها مئات الآلاف من مختلف الجنسيات، ومنها الغربية، لفتت انتباه الغرب إلى أن هناك شعوباً مختلفة عنهم، تتبنى قيماً مغايرة عن القيم الغربية، شعوباً تعتز بانتمائها العرقي والفكري والأيديولوجي، وتتبنى أسلوب حياة مختلفاً عن الحياة الغربية، وتعتز بثقافتها وإرثها الشرقي وتفخر به.

أهمية هذه الفعاليات الكبرى التي قامت في دول الخليج ليست فقط اقتصادية وترفيهية، بل ثقافية واجتماعية وحضارية في المقام الأول، فمن المؤكد أن دول الخليج حديثة من ناحية التكوين السياسي، لكنها قديمة قدم الزمن من ناحية التاريخ والإرث الإنساني والتواصل التجاري مع العالم الخارجي. هذه الحقيقة ليست بغريبة على الغرب، فمنذ القرون الماضية تفتحت أعين الغرب على الحضارات الشرقية، وعلى أن هناك شعوباً مشرقية تمتلك حضارات أقدم من الحضارات الغربية بمراحل.

وعندما زار الرحّالة والمبشّرون دول الخليج في القرن التاسع عشر أدركوا أن الاستعمار الغربي قد قدم لهم معلومات مغلوطة عن حضارات الشرق، ومنها الحضارة العربية، فالشرق يمتلك حضارة عريقة وتراثاً إنسانياً مبنياً على قيم راقية وتراث إنساني كبير، كما أدركوا أن هدف الاستعمار هو سلب تلك الشعوب خيراتها الاقتصادية، وأنه لا أهداف حضارية لديه، فهدف التعريف والتواصل بين الحضارات معدوم، لذلك فعلى الرغم من قدم التواصل بين الخليج والغرب، فإن الغرب لا يملك الإدراك الحضاري الكافي والشامل بقيم الخليج، ولا بمجتمعاته.

لقد تغير العالم كثيراً منذ الثورة التقنية، فأصبح بأسره قرية صغيرة، إلا أن التعرف عن قرب على عادات وتقاليد المجموعات البشرية التي تتشارك العيش في تلك القرية الصغيرة يتطلب الكثير من الدقة والبصيرة والحكمة، فليس من المستحسن أن نقيس عادات الشعوب الأخرى بمنظورنا الشخصي، ولا ننظر إلى القيم التي يتبنّاها الآخر على أنها قيم أقل شأناً من قيمنا، أو أن نسخر منها لمجرد أنها مختلفة عن ما تعودنا عليه وألفناه، لذا فعلى الغرب مسؤولية كبرى، ألا وهي تقديم حضارات الآخر لشعوبه بصورة تليق بتاريخ تلك الشعوب وإرثها، فمثلما يحرص الشرقيون على احترام الحضارة الغربية ومبادئها الأصيلة يجب أن يتعود الغربيون على احترام التقاليد الشرقية واحترام العادات، والحرص على عدم المساس بالقيم الشرقية.

لقد أصبحت تلك الفعاليات العالمية الكبرى التي تقام خارج حدود العالم الغربي مناسبة للإنسان الغربي للتعرف عن قرب على تراث الآخر وقيمه ومجتمعه، وحتى مبادئ دينه. ويبقى السلوك الحضاري للإنسان الغربي هو مقياس تلك العلاقات الإنسانية بين الشرق والغرب، فإحساس الإنسان الغربي بأنه متفوق حضارياً، وبأن الآخر أقل منه تحضراً وتفوقاً هو شعور عفا عليه الزمن، ففي عصرنا هذا أصبح التفوق مرتبطاً بوجود قيم حضارية وتراث تاريخي ومشتركات إنسانية يؤمن بها الجميع ويتم توظيفها ثقافياً واجتماعياً، كما أصبح الشرق يوظف تلك الأحداث والفعاليات الكبرى لإبراز ثقافته وتاريخه والتشديد على قيمه الأصيلة التي يفخر بها.

إن التواصل الحضاري بين الشرق والغرب سوف يظل حجر الزاوية في العلاقات الإنسانية والروابط الثقافية بين الشعوب، كما أن أهمية التواصل الحضاري تكمن في قدرته على إيجاد المشتركات الإنسانية والتقريب بين الشعوب بطريقة فيها الكثير من الود والاحترام وتقبل الآخر المختلف. وإضافة لذلك فإن للتواصل الحضاري دوراً مهماً في إحلال السلم والتعايش الإنساني بين الشعوب، فأهمية تلك الفعاليات الكبرى ليست في التنافس على احتلال المراكز الأولى، ولكن في التقريب بين البشر، والسير نحو عالم خالٍ من كل أشكال النزاعات والصراعات والحروب.