دخلت الأزمة الروسية - الأوكرانية شهرها العاشر، تفاقمت الأوضاع، تراجع اقتصادي يهدد خرائط العالم، الآثار والتداعيات باتت عابرة لحدود الجغرافيا، أطراف الصراع لها حساباتها المباشرة وغير المباشرة.
وسط غيوم عالمية كثيفة، أتوقف أمام الدور العربي المبذول كوساطات وتفاهمات ومبادرات للوصول إلى حل الأزمة الروسية - الأوكرانية، وما يمثله من أهمية كبرى، تستحق الوقوف خلالها ودعمها، دولياً وإقليمياً.
اللافت للنظر هنا أن التدخل العربي بدأ منذ الأيام الأولى للحرب، منطلقاً من المسؤولية التي تفرضها الأسس والفلسفة العربية تجاه نشر السلام، وتبريد الصراعات، وتبنّي مفاهيم التسامح بين شعوب العالم.
جامعة الدول العربية أدركت مبكراً خطورة هذه الأزمة، وأقر مجلس وزراء «بيت العرب» خلال دورته الـ157، تشكيل مجموعة اتصال وزارية تتولى متابعة وإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع الأطراف المعنية بالأزمة.
والمساهمة في إيجاد حل دبلوماسي، عبر جولات مكوكية إلى موسكو ووارسو في إبريل، شاركت فيها 7 دول عربية، مصر والإمارات والسعودية والجزائر، والعراق والأردن والسودان، ومعهم أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وتضمنت هذه الجولات مباحثات مع وزيري الخارجية الروسي والأوكراني، للاستماع إلى وجهتي نظر الجانبين حول الأزمة، والعمل على تقريب وجهات النظر بينهما.
من داخل «بيت العرب» نفسه، انطلقت مبادرات عدة لدعم العمل الدولي متعدد الأطراف، بهدف تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات التي تواجه العالم، والمشاركة بكل ما يسهم في الوصول إلى عالم مستقر، بعيداً عن أصوات المدافع.
برغم أن هذه النداءات والمبادرات مستمرة منذ اندلاع الأزمة، لكننا أمام سياق زمني شهد نداءات متلاحقة، عشنا فصولها في نوفمبر الماضي، ولعلنا نتوقف أمام نداء الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاح قمة المناخ بمدينة شرم الشيخ، لوقف الحرب الروسية - الأوكرانية، وهو النداء الذي جاء بمثابة نداء للإنسانية والسلام من أرض السلام، لمواجهة التحديات التي يواجهها العالم.
وباتت تمثل تهديداً واضحاً لمسيرة العمل والتنمية، وهو النداء الذي لاقى ترحيباً وتأييداً واسعاً من القادة والزعماء العرب، وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، الذي تحدث إلى الرئيس السيسي قائلاً: «نحن معك فيما صرحت به، نحن نحتاج إلى سلام وحوار ووقف الحرب».
في سبتمبر الماضي، خلال اجتماع مهم حرصت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة، وضم ممثلين من روسيا وأوكرانيا، تمت مناقشة قضية تبادل أسرى الحرب، والتفاوض على مبادرة تصدير المنتجات الزراعية من ثلاث مدن أوكرانية على البحر الأسود.
هذه المبادرة وما تم خلالها من مباحثات ومفاوضات، تؤكد الدور المحوري لدولة الإمارات، للوصول إلى حل سلمي للأزمة، واتضح ذلك جلياً في جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، التي تمثلت في المباحثات التي أجراها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته لروسيا في أكتوبر الماضي، وبعدها بأيام قليلة أجرى مباحثات هاتفية مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي.
فدولة الإمارات تحرص على تشجيع الحوار بين طرفي الصراع، والعمل الجاد لحلحلة الأزمة، والسعي إلى تعزيز أسس السلام والاستقرار، وخفض التوترات، وذلك وفق خارطة طريق دبلوماسية شاملة، تسهم في تقليل مساحات التوتر في هذه الأزمة.
بجانب المبادرة الإماراتية، قالت المملكة العربية السعودية كلمتها، في سبتمبر الماضي داخل أروقة الأمم المتحدة، ودعت إلى ضرورة العودة لصوت العقل والحكمة، وتفعيل قنوات الحوار والتفاوض والحلول السلمية، بما يوقف القتال ويحمي المدنيين، ويحقق فرص السلام والأمن لشعوب البلدين.
وتأكيد أهمية إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة، ويوقف العمليات العسكرية، فضلاً عن الدور المهم الذي لعبه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في قيادة مبادرة إنسانية لتبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا.
إذاً المبادرات مستمرة، القادة والزعماء العرب على قلب رجل واحد، تتقارب أو تتباعد النداءات، لكنها تنطلق وكأنها صوت واحد، هذه الدوافع والنداءات العربية لإنقاذ البشرية من ويلات الصراعات والحروب، تحتاج إلى مزيد من الدعم الدولي، لكي تأتي بنتائجها، لاسيما أن هذه المبادرات العربية لها دلالاتها ومفهومها، وتؤكد أهمية الوزن العربي وتأثيره ومحاولاته إنقاذ العالم وسط المتغيرات الكبرى، في ظل التحديات التي يواجهها النظام العالمي.
* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»