هناك اعتقاد مشترك بين روسيا وحلف الناتو بأن الحرب في أوكرانيا سوف تطول، فالأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ قال بوضوح إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخطط لحرب طويلة.
بينما يتهم الكرملين واشنطن بأنها تتربح من إطالة أمد هذه الحرب، وأنها تستهدف إضعاف روسيا و«تعميق تبعية» أوروبا للولايات المتحدة، وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى استعداد الطرفين لإنهاء الحرب، أو دفع فاتورة باهظة قد تؤدي في النهاية إلى تراجع تأثير طرفي الحرب في المعادلة الدولية.
من يقرأ دفتر أحوال الإمبراطوريات خلال المئتي عام الأخيرة يتأكد له أن من تورط في «حروب طويلة» سواء كان مهزوماً أو منتصراً تقزم دوره على الساحة الدولية، ولهذا ساد نمط «الحروب القصيرة» التي لا تزيد على 6 شهور خلال القرنين الماضيين، وعندما طال زمن الحرب بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإمبراطورية النمسا والمجر والدولة العثمانية في الحربين العالمية الأولى والثانية، أدى ذلك مباشرة إلى إنهاء هيمنة هذه الدول على الساحة الدولية، فهل تتورط الولايات المتحدة وروسيا في تلك «الحرب الطويلة»؟.
الحسابات الصفرية
أكثر الأسباب التي تطيل الحرب الروسية الأوكرانية هو رغبة كل طرف في الحصول على «كل شيء» مقابل «لا شيء»، وهذه «المعادلة الصفرية» هي أساس الحسابات الخاطئة، فبالنسبة لموسكو لم تكن الحرب «خاطفة»، وتأكد بعد نحو 10 شهور أنها تختلف تماماً عن حسابات وتقديرات ما قبل 24 فبراير الماضي.
كما أن أوكرانيا ما زالت تعتقد أن صمودها وتحقيق نجاحات كاف لاستعادة كل الأراضي في دونباس وزاباروجيا بل وشبه جزيرة القرم التي تعتبرها موسكو أراضي روسية.
الحكماء فقط من يدركون الحقائق سريعاً، فمع عبور الجنود الروس نحو أوكرانيا في 4 محاور في بداية الحرب كانت هناك تقديرات بالوصول للحدود البولندية خلال أسبوعين، لكن اليوم ثمة إدراك بأن تحقيق ذلك قد يحتاج لسنوات، كما أن المعاناة بدأت تدب في دول حلف «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة بعد توالي الإضرابات والمظاهرات ضد الحرب وارتفاع التضخم بمستويات قياسية.
وظهور ثغرات أمنية غير مسبوقة في المعسكر الغربي مثل عدم قدرة المجمع الصناعي العسكري على تعويض السلاح والذخيرة الفتاكة بدلاً من تلك التي أرسلها إلى أوكرانيا، وعدم قدرة «البنتاغون» على تجنيد مزيد من الجنود في الجيش الأمريكي بعد إرسال نحو 100 ألف جندي أمريكي لأوروبا، ناهيك عن معاناة سلاح الجو الأمريكي من النقص الحاد في أعداد الطيارين رغم رصد الولايات المتحدة لأكبر ميزانية عسكرية في التاريخ وصلت لـ2023 قرابة 860 مليار دولار.
ثمن السلام
رغم توفر فرص للسلام في الحربين العالميتين الأولى والثانية لوقف الحرب في بدايتها إلا أن استمرارها أدى لخسارة ملايين الأرواح، ورغم أن هناك أسباباً كثيرة لذلك الخطأ التاريخي، إلا أن السبب الأول، في تقدير بعض المراقبين، هو عدم استعداد تلك الدول لدفع «ثمن السلام» الذي يحتاج نوعاً من «الواقعية السياسية» والتخلي عن بعض الأيديولوجيات التي تأتي تحت سقف «السيادة الوطنية» أو «المبادئ».
ولهذا يمكن الاستفادة من رؤية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي طرحها مؤخراً في جريدة «ذا سبكتيتور»، والتي تدعو لسحب قوات الطرفين حتى خط الحرب في 24 فبراير الماضي كمرحلة أولى لبدء التفاوض، ثم إجراء استفتاء تحت رقابة الأمم المتحدة لباقي المناطق في دونباس وخيرسون وزاباروجيا.
الواضح أن التشبث بحبال «النصر الكامل» لن تصمد إلى الأبد، فاستمرار الحرب الحالية لسنوات أخرى قد يضعف روسيا، لكن أيضاً قد تدفع الولايات المتحدة والغرب نفس الثمن الذي دفعته إمبراطوريات سابقة تورطت في «الحروب الطويلة»، ويمكنهم أن يسألوا في هذا بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان.