ماذا تعلّمت من طلابي؟

 يخطئ من يتصور أن العملية التعليمية تسير في اتجاه واحد من الأستاذ للطالب. فالأستاذ هو الآخر يتعلّم من طلابه. أو تلك هي على الأقل العملية التعليمية من وجهة نظري المتواضعة. ومهارات التدريس لا يطرأ عليها التطور من خلال القراءة وحدها، إنما تتطور، في تقديري، بقدر ما يتعلم الأستاذ من طلابه. والتدريس الجامعي مهنة شاقة، تخفف من مشقتها متعة الاقتراب من الأجيال الشابة. فمن خلال التفاعل اليومي معهم، تستطيع أن تكتشف طاقات الأمة وأغلى ثرواتها، وتجد نفسك إزاء أمل لا ينضب في مستقبل أفضل.


لكنني في نهاية كل فصل دراسي، أسأل نفسي ما الذي تعلمته من طلابي؟ وماذا عرفت عنهم؟

وما تعلمته في فصلنا الدراسي المنصرم كثير، يرد لذهني منه أمران. أولهما هو ما يتأكد لي فصلاً دراسياً بعد الآخر، من أن الطالب يكون أكثر إبداعاً وتميزاً، متى اقتنع بأن الأستاذ يؤمن بملكاته وقدرته على الإبداع. في هذا الفصل الدراسي، رسبت طالبة في أول اختبارات الفصل الدراسي، لكن من خلال نقاشات مستمرة معها، عرفت مهاراتها، فنبهتها إليها في محادثة شخصية، وبثقتي في قدراتها، فبهرتني بنتائجها في الاختبارات التالية.

 

وقدرة الطلاب على التحصيل، تزداد كلما كان أسلوب المحاضر تفاعلياً، يسير في اتجاهين، لا اتجاه واحد. فالطلاب يكرهون المحاضرات التي يدخل فيها الأستاذ القاعة، ثم يبدأ في تلقينهم ما ينبغي عليهم معرفته، تاركاً لهم وقتاً في نهاية المحاضرة للأسئلة. أما إذا قامت المحاضرة على تحفيز ملكاتهم، فإنهم يصلون للنتيجة ذاتها، لكنهم لا ينسون أبداً ما حصلوه متى انتهى العام، واجتازوا الاختبارات. فوسط كم هائل من المعلومات، صار متاحاً للطالب بمجرد لمسة إصبع على هاتفه، لم تعد المسألة هي كم المعلومات التي يحصلونها، وإنما صارت هي تنمية مهاراتهم في التحقق من صدقيتها، ثم ترتيبها وإدراك معناها.


وكلنا نعلم تماماً أن وسائل التواصل الاجتماعي صارت مصدراً رئيساً للمعرفة عند الأجيال الشابة، ومن العبث في تقديري، أن نسعى لإثنائهم عن استخدامها. ومن هنا، فإن السؤال الذي يشغلني، هو كيف يمكن استثمار تلك الوسائط نفسها لحفزهم على القراءة، وقراءة الكتب تحديداً. بعبارة أخرى، كيف يمكن تحويل الاهتمام بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي، من أداة للتسلية، إلى أداة حيوية للتعليم المستمر.


أما ثاني ما تعلمته في فصلنا الدراسي المنصرم، فكان أن هذا الجيل مهموم للغاية بقضية التغير المناخي، ومستقبل كوكب الأرض. ولا غرابة في ذلك بالقطع، فهم الجيل الذي سيكون عليها التعامل مع الآثار الناجمة عن التحول المناخي. وهم يدركون أن دول الجنوب أكثر تأثراً بالتغير المناخي من دول الشمال. فعلى سبيل المثال، قالت طالبة إنها تقدر كثيراً أن كل المادة العلمية التي كان عليهم قراءتها معي، كانت متاحة لهم إلكترونياً، ولم تكن وزملاؤها في حاجة لطباعتها، لأنها ترى في ذلك حفاظاً على البيئة.

وقد أيدها في ذلك فوراً عدد كبير من الطلاب الحاضرين. ورغم أن إحدى تلك القراءات، كانت تدور حول تغير المناخ، ودور القوى الكبرى في تلك الكارثة، فإن الطلاب كانوا يتابعون لحظة بلحظة، ما يدور بمؤتمر شرم الشيخ لتغير المناخ (COP 27) . وما إن حان موعد مناقشة المادة العلمية المقررة، قالوا إن مجرد التوصل بالمؤتمر لإقامة صندوق للتصدي للخسائر والأضرار الناجمة عن التغير المناخي، كان خطوة هائلة، يعرفون أنها تحققت بشق الأنفس. ولكنهم شعروا بخيبة أمل، للفارق الكبير بين مسؤولية القوى الكبرى عن الكارثة المناخية، وبين ما ألزمت تلك القوى نفسها به حتى اليوم. ومن هنا، صارت آمالهم منعقدة على المؤتمر القادم في دولة الإمارات (COP 28) في 2023.


وقد تعلمت أيضاً ما يحبون من ألوان الفنون، وإن كان ذلك أمراً يطول شرحه. لكن سواء بالفنون أو غيرها من مجالات الحياة، أجد أنه لا يجوز إصدار الأحكام على جيل بكامله. فتنوّع رؤاهم واستقلاليتها، يفتحان الباب لإبداعاتهم التي نحن في أمسّ الحاجة إليها.

* كاتبة مصرية

الأكثر مشاركة