الإمارات وطن تطيب فيه الحياة، وحكاية مع التاريخ لا تزيد على نصف قرن إلا قليلاً لكنها تتجاوز كل الحكايات، طلع نجمها في سماء العروبة ولم يزدد على مرور الأيام إلا سطوعاً، واحترفت الإنجاز ومواجهة كل ما يخطر على البال أنه في عداد المستحيل لتجعله واقعاً منظوراً، بناها فارس بدوي الفطرة، حكيم الرؤية، عميق النظرة، طيب الذكرى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، يسانده مجموعة من رجال الوطن الأشاوس الذين اختاروا الاتحاد على الفرقة، وشد أزره على تنفيذ الحلم فارس دبي ووارث مجدها طيب الذكر الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، فكانت الثمرة هي قصة الإمارات التي نعيشها اليوم وطناً نزهو به ويزهو بنا، ونعبر معه ويعبر بنا مسيرة الإعمار والبناء والإنجاز الحضاري الفريد.
وها نحن نستقبل عاماً جديداً سعيداً من عمر الوطن، ونودع عاماً كان حافلاً بالمنجزات الباهرة، فيحق لنا في هذه اللحظة الفاصلة بين العامين أن نحتفي بكل منجز من إنجازات هذا الوطن الكبير، وأن نظل نشعر بالفخر ونحن نعلي بنيانه ونسطر سيرته بمداد الفخر والاعتزاز والتواضع، وهو ما لخصه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، حين قال: «الإمارات قيادة لا تعرف المستحيل، ودولة تصنع المستقبل ولا تنتظره»، لتكون هذه الكلمات اللامعة بالأمل والعزيمة والإشراق مفتاحاً لكل حديث عن مسيرة الوطن خلال العام الماضي على وجه الخصوص؛ لأن ذلك العام جاء بعد مواجهة شرسة مع واحدة من أخطر الجوائح التي أطبقت على البشرية، جائحة كورونا التي أصابت العالم بالشلل، وتركت آثارها العميقة على جميع المستويات وفي جميع الدول دون استثناء وفي طليعتها الدول المتقدمة في سلم الحضارة.
«ماذا يمكن لدولة أن تنجز في 365 يوماً؟» هذا هو السؤال الذي طرحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على حسابه في إنستغرام، ليكون الجواب سرداً واثقاً لسلسلة متكاملة من الإنجازات التي كانت في خانة المستحيل لا سيما في تلك الظروف التي سبقت الإشارة إليها، فإذا كان من المستحيل أن تستقبل دولة كبيرة عدداً محدوداً من دول العالم على أرضها، فإن الإمارات قد استقبلت العالم كله في إكسبو دبي 2020، وقدمت دورة استثنائية شهد لها العالم كله بالتفوق الحضاري على جميع المستويات، وإذا كانت الهندسة خاضعة لمجموعة من القواعد الفنية الراسخة في فنون العمارة، فإن «متحف المستقبل» الذي شيّد في دبي هو أيقونة حضارية تتحدى قواعد الهندسة، وهو الإنجاز الذي شهد له العالم كله بأنه البناء الأجمل على المستوى العالمي، وكان هو هدية دبي للإنسانية كلها في ظل ظروف غير خافية على أحد.
وإذا كان من المستحيل تحقيق أدنى تقدم في سلم النمو الاقتصادي في ظل ظروف كورونا وتداعياتها، وما نتج عنها من انكماش اقتصادي شامل، فقد حققت الإمارات نمواً اقتصادياً في تجارتها غير النفطية بنسبة 19 % بلغت قيمتها المالية 1.6 تريليون درهم، وهذا شيء يشبه الخيال ويقع في خانة المستحيل.
وإذا كان حلم الوصول إلى القمر مقصوراً على الدول المتقدمة ذات العراقة الحضارية، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة الحديثة التي لم تتجاوز إلا خمسين عاماً في عمرها الزمني قد زاحمت هذه الدول، وأرسلت أول رحلة عربية وإقليمية لاستكشاف القمر، وهو جزء من خطة طويلة المدى متعددة المهام للدخول في عالم الفضاء وحجز مقعد معتبر في نادي الدول الكبرى في هذا المجال الحضاري النادر.
وفي ظل ركود عالمي في مجال السياحة كانت دولة الإمارات في طليعة الدول التي تجاوزت تداعيات الجائحة واستقبلت 22 مليون سائح خلال العام الماضي، وهذا رقم استثنائي بكل المقاييس، ولا تكاد تظفر به الدول الكبرى ذات العراقة السياحية، لكن قيادة الدولة والأجهزة المختصة بذلت جهوداً ضخمة في سبيل تسويق المنتج السياحي وحققت هذا الإنجاز الحضاري الفريد.
ومنذ نشأت دولة الإمارات وهي واضعة نصب عينيها بلوغ مرتبة حضارية متقدمة من خلال المؤشرات التنموية العالمية وهو ما تم تحقيقه في العام الماضي، حيث حققت الدولة ما يشبه المستحيل حين تصدرت دول العالم في 171 مؤشراً تنموياً تشهد بالكفاءة الإدارية الفائقة لهذه الدولة الطالعة في سماء العرب مثل حصان جامح لا يعرف التردد ولا الانكسار، فضلاً عن تحقيقها للمرتبة الأولى على مستوى العالم في قوة جواز السفر، حيث يستطيع الإنسان الإماراتي السفر إلى مئة وثمانين دولة دون تأشيرة سفر، ليكون ذلك خير تعبير عن عمق التقدير والاحترام الذي يحظى به أبناء الإمارات بفضل الجهود الكبرى التي تبذلها قيادة الوطن الرشيدة. وفي الجانب الإنساني تفوقت دولة الإمارات على نفسها حين قامت بتأمين مليار وجبة طعام للجياع المنكوبين في شتى أنحاء العالم في خطوة إنسانية حققت لها من الحضور والاحترام ما يعجز القلم عن تسطيره، ليكون ذلك خير دليل على نبل أبناء هذا الوطن: قيادة وحكومة وشعباً.
وفي مجال نشر الوعي وإثراء العقل وتعميق عادة القراءة، فأين هي الدولة التي تنافس الإمارات في هذا المجال، فقد أبدعت الدولة بتوجيه ورعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في جمع شمل شباب العرب الواعد على مائدة المعرفة، وانخرط 22 مليوناً من الشباب العربي في هذه المبادرة التي ربما تكون الأولى من نوعها وحجمها وطبيعة دعمها على المستوى العالمي. وعلى الرغم من انتماء الإمارات إلى الدول النفطية الكبرى على مستوى العالم، إلا أن ذلك لم يقف عقبة في وجه رغبتها في حماية البيئة من خلال الانخراط في مشاريع الطاقة النظيفة، حيث وقعت اتفاقاً بقيمة 100 مليار دولار للاستثمار في مجال الطاقة النظيفة، سابقة بذلك دولاً كبرى لا تطمح بالوصول إلى هذه المرتبة العالمية المتقدمة، وهذا التوجه نحو الطاقة النظيفة دفع بدولة الإمارات إلى قيادة أكبر تجمع عالمي للحوار حول مشكلات المناخ، وستستضيف 140 رئيس دولة وحكومة للحديث حول هذه المعضلة التي توشك أن تكون واحدة من أكبر التحديات في السنوات القليلة المقبلة. وكان ثمرة هذا كله نمطاً فريداً من الأمن المجتمعي النادر في ربوع الوطن، حيث احتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى على المستوى العالمي في الأمان ليلاً ونهاراً، ليكون هذا التميز هو البصمة الحقيقية لكل مظاهر الإنجاز والتقدم، فما قيمة كل المنجزات إذا كان الإنسان يفتقد الشعور بالأمان؟ فالأمان الفردي والاجتماعي هو بحر النعم الذي نستخرج منه كل اللآلئ والنوادر والطيبات. هذه هي الإمارات، بلد الأصالة والتقدم والحضارة والجذور العريقة، يحدو ركبها قائد مقدام هو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ويشد من أزره، ويحمل معه هذا الحمل الثقيل وارث المكرمات وسيد الرجال الجسور المقدام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، لتظل مسيرة الإمارات أصيلة متجددة تحكي روعة التآلف التي جمعت بين قلبي الشيخين الكبيرين: زايد وراشد، رحمهما الله، وظلت ميراثاً نتوارثه في المحمدين اللذين هما شمس البلاد وقمرها، ولتظل الإمارات أمانة مصونة ولواءً مرفوعاً ترفعه سواعد الرجال وتفتديه أرواح الشجعان.