فقر السنابل.. والقنابل أيضاً!

بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الحرب في أوكرانيا، توقع صندوق الأمم المتحدة للتنمية الزراعية أن يتعرض سكان الريف والفقراء في 50 دولة أفريقية وآسيوية وشرق أوسطية لشبح الجوع.

ذلك لانقطاع أو نقص إمدادات الغذاء الأساسية من الدولتين المتحاربتين، المنتجتين والمصدرتين لنحو %40 من الأقماح العالمية، روسيا وأوكرانيا.

حين مرت ثلاثة شهور على الحرب، كان هذا التوقع التحذيري قد تحول إلى حقيقة موثقة بالأرقام.. ففي مايو 2022 أعلن ديفيد بيزلي مدير برنامج الأغذية العالمي أن 811 مليون إنسان في العالم يعانون من نقص الغذاء.

ومضى المسؤول الأممي إلى أن «بعض الاقتصادات كانت تحبو على ركبتيها جراء تغيرات المناخ وجائحة كورونا. وجاءت الحرب لتفاقم هذه الوضعية، حتى أن الأمور تسوء يومياً بمعدل سريع».

من المفترض أن تكون حالة النفير العام، التي اضطلعت بها الأطر الوطنية والإقليمية والدولية ذات الصلة، ومنها التوصل إلى اتفاقات تسمح بالمرور الآمن لسفن وقوافل التجارة والإمداد عبر البر والبحر، قد أسهمت في مواجهة بعض هذه التداعيات المؤلمة.. غير أن الوقائع تؤكد أن أزمة الغذاء مازالت تؤثر على عشرات الملايين، لاسيما في عوالم الاقتصاديات الرخوة.

والمثير أن انتشار الجفاف في بعض هذه العوالم وارتفاع حرارة الطقس، تحالفا مع ديمومة الحرب، مما أعاق عمليات المعالجة والغوث. نفهم هذا من بيانات برنامج الغذاء العالمي، التي أشار أحدثها في مستهل يناير الجاري إلى أن أكثر من 345 مليون شخص، يعيشون تحت تهديد المجاعة والانعدام الحاد للأمن الغذائي.

كأن الحرب في أوكرانيا جاءت كي تزيد الفقراء والمعوزين والجوعى بؤساً على بؤس. هذه حقيقة تبدو راهناً أقرب للمسلمات. بيد أن اللافت، وربما كان جديداً موحياً بالنسبة لعالمية توابع هذه الحرب، أنها استطرقت بإشعاعاتها السلبية إلى اقتصاديات الغذاء لدى أمم طال الظن بمنعتها.

المثل البارز بالخصوص هو زيادة أسعار السلع الغذائية الأساسية في الولايات المتحدة، ذات السبق الاقتصادي الاستثنائي، بنسبة 60 %. مؤدى ذلك أن نجاة الدول الكبرى من براثن الجوع والوفيات المبكرة في ساعة العسرة الغذائية الدولية، لم يلازمها إفلات جيوبهم ومستوى معيشتهم من جرائر هذه الساعة.

لا ندري ما إن كانت الدول الأكثر تضرراً من أزمة الغذاء، سوف تعي الدرس وتدرك أن الاعتمادية المفرطة على واردات السلع الأساسية، تضعها في لحظات بعينها، كمفاجأة توابع الحرب في أوكرانيا، على حافة خطر الجوع. وعموماً قد يتعين على هذه الدول قياس الحاجة لهذه السلع، توفراً وعجزاً، بمعايير الخطوط شديدة الاحمرار للأمن القومي.

إذا كان الدرس الأوكراني قد كشف عن عجز الفقراء وقلة حيلتهم، رغم شدة حاجتهم، في مجال إنتاج القمح، فإنه أظهر أيضاً عجز الأغنياء والأقوياء عن الوفاء ببعض أهم متطلبات الحرب.. نقصد بذلك القدر اللازم من الأسلحة والقنابل.

القوى الغربية لم تألُ جهداً في توفير الإمدادات العسكرية اللازمة لتعزيز صمود الجانب الأوكراني. وفي هذه الأيام يعلن مسؤولوها، بمن فيهم مصادر وزارة الدفاع الأمريكية، أن مخزونهم من بعض هذه الإمدادات يقترب من طاقته القصوى «ولن يتمكن قريباً من تزويد الأوكرانيين بأنواع معينة من الأسلحة والذخائر، وتجديد هذا المخزون، ليعود إلى مستوى ما قبل الحرب، يحتاج لسنوات عدة».

المفارقة هنا أن الروس باتوا بدورهم يستشعرون تأثير النزيف المتدفق لأسلحتهم، ليس فقط لكثافة المستخدم منها في الميدان، وإنما أيضاً بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليهم التي تحجم دور صناعتهم العسكرية.

ما يخشاه المرء هنا أن يشعل هذا النقص في السلاح التقليدي لدى هذا الطرف أو ذاك، فكرة اللجوء إلى الأسلحة غير التقليدية. كيف لا يراودنا هذا الهاجس، ونحن نعلم أن سياقات الحروب لا تخلو من الحسابات الخاطئة المفاجئة؟!

* كاتب وأكاديمي فلسطيني

 

الأكثر مشاركة