منذ أيام، نشر المجلس الأطلسي للأبحاث، من مقره الرئيس في واشنطن، نتائج استطلاع متخصص مهم حول التطور المتوقع لعشر من أبرز القضايا الدولية خلال العقد المقبل، والمجلس هو مركز أبحاث بارز له مكانته في الشؤون الدولية، تأسس عام 1961، بهدف تشجيع مواصلة التعاون بين أمريكا الشمالية، خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ويضم المجلس عديداً من القادة السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال والمثقفين، وتتبعه 10 مراكز إقليمية وبرامج عملية متخصصة في موضوعات الأمن الدولي، وقضايا الاقتصادي العالمي.

شارك في الاستطلاع العلمي المهم 167 خبيراً ينتمون لنحو ثلاثين دولة، وإن كان أغلبيتهم أمريكيون (60 %) ويتلوهم الأوروبيون، ويتوزعون ما بين عاملين في القطاع الخاص (26 %)، والمؤسسات الأكاديمية أو التعليمية (21 %)، والمؤسسات الأهلية (19 %)، والحكومات (16 %)، ومستشارون مستقلون (13 %)، وتوزعت أسئلة الاستطلاع على عشرة موضوعات رئيسية متنوعة، تهم مستقبل العالم كله خلال السنوات العشر المقبلة، وهي:

( 1. الانهيار الروسي المحتمل، 2. القوى النووية الجديدة، 3. الصراع على تايوان، 4. الفصل بين الولايات المتحدة والصين، 5. القوة الأمريكية المستقبلية، 6. ذروة انبعاثات الكربون، 7. الأوبئة والأزمات الاقتصادية، 8. الديمقراطية مقابل الاستبداد، 9. العقد الخطير الذي تواجهه الديمقراطية، 10- هيكل الأمن العالمي).

وإذا كانت توقعات هذا الاستطلاع وقضاياه كلها تهمنا جميعاً كوننا عرباً وإن تنوعت دولنا، فإن استعراض بعض منها وتحليلها قد يكون مطلوباً، وهو ما قد نتناوله في مقالات مقبلة، ولكن ما يبدو ضرورياً أولاً هو تحليل هيكل الاستطلاع والخبراء المستطلعين فيه، وانعكاسهما على موضوعاته ونتائجه، فمن ناحية الموضوعات، يظهر جلياً أن الموضوعات العشرة المستطلع حولها تعكس في أغلبها الهواجس والهموم الغربية عموماً (أمريكا الشمالية وأوروبا) الحالية، وما يمكن أن تتطور إليه خلال العقد المقبل، أكثر مما هي تعكس ما تشعر به بقية دول العالم، فالحرب الروسية – الأوكرانية، والتي هي في حقيقتها حرب غربية- روسية، هي تخوف غربي كبير في الحاضر والمستقبل، عكس نفسه كموضوع أول في الاستطلاع مرتبطاً بتوقع- هو في الوقت نفسه أمنية غربية- بانهيار روسيا خلال عشر سنوات، وتلاه موضوع القوى النووية الجديدة، ليعكس ما تشهده تلك الحرب من تلويحات نووية، ويرتبط بهذا مباشرة وبعده التحالفات شبه العلنية الروسية- الصينية في سياق تلك الحرب والتحديات الصينية الاقتصادية عموماً، لتأتي الموضوعات الثلاثة التالية مركزة على الصراع على تايوان، والتشاحن بين الولايات المتحدة والصين ومستقبل القوة الأمريكية.

ومما يؤكد هذا التركز للاهتمامات والهواجس الغربية على موضوعات الاستطلاع، أن تأتي متأخرة فيه موضوعات أخرى تهم العالم كله، وتهدد البشرية جدياً، وخصوصاً شعوبها النامية والفقيرة، مثل ذروة انبعاثات الكربون والأوبئة، والأزمات الاقتصادية والديمقراطية مقابل الاستبداد والعقد الخطير، الذي تواجهه الديمقراطية، فعلى الرغم من أن بعض هذه التحديات والموضوعات تهم بالفعل كل دول العالم، إلا أن التقدم الذي حققته الدول الغربية فيها وقدرتها على مواجهة بعضها، بما تملكه من قدرات وإمكانات هائلة مادية وعلمية، تجعلها أكثر تهديداً وبشدة للدول النامية والفقيرة وشعوبها.

وتبدو تلك الأولويات لموضوعات الاستطلاع، ومن ثم نتائجه، على الأرجح منسجمة وعاكسة لجنسيات الخبراء المستطلعين، حيث أغلبيتهم من الأمريكيين وبعدهم الأوروبيون، وهو ما يمكن من القول إننا إزاء أولويات ونتائج مترتبة عليها للسنوات العشر المقبلة، يتم ترويجها على أنها تمثل رؤية العالم كله وتوقعاته وتخوفاته، خلال هذه السنوات، بينما هي في حقيقتها غربية (أمريكية وأوروبية) وليست عالمية.

وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن هيكل هذا الاستطلاع المهم وتوقعاته للعقد المقبل المنحازين للرؤى والهواجس والاهتمامات الغربية لا يقللان من أهميته، وضرورة أن يمتد التحليل لبعض موضوعاته ونتائجه بصورة أكثر تفصيلاً، وهو ما قد يكون مكانه مقالات مقبلة.

 

* باحث وكاتب والرئيس الفخري لاتحاد الصحفيين العرب