قبل نحو عشر سنوات وعقب نجاح ثورة شعب مصر العظيم في 30 يونيو 2013، في الإطاحة بحكم «الإخوان»، بدت مصر شبه دولة، تعاني الاضطراب الأمني والفتنة الداخلية، الطائفية والسياسية، وتقف على شفا الانهيار الاقتصادي أو ربما في قلبه، معزولة عن محيطها العربي ومحاصرة في قارتها الأفريقية، وأواصر علاقاتها مقطوعة مع كل دول العالم تقريباً.
وكان سعي أعداء ثورة الشعب المصري العظيمة من «الإخوان» وتابعيهم من داخل مصر وخارجها حثيثاً، لبث اليأس والإحباط في نفوس هذا الشعب الذي أثخنته جراح عميقة غائرة خلال العقد السابق على ثورة 25 يناير 2011، وازدادت غوراً وإيلاماً بعدها مع تغلغل «الإخوان» في المجتمع ووصولهم لحكم البلاد طيلة عام واحد كان الأكثر سواداً خلال أكثر من قرنين بعد تأسيس دولتها الحديثة مع محمد علي باشا في بدايات القرن التاسع عشر.
وعلى صعيد علاقات مصر الخارجية كانت محاولات «الإخوان» وحلفائهم الأكثر شراسة وتركيزاً، إدراكاً منهم بأن موقع مصر وموضعها (بمصطلحات الراحل الكبير دكتور جمال حمدان) يجعلها من ناحية محل اهتمام العالم وتقاطع المصالح الاستراتيجية لمختلف دوله في الإقليم كله، ويربط من ناحية ثانية تقدمها واستقرارها الداخلي بمدى وثاقة وكثافة علاقاتها بمختلف دول العالم، وخصوصاً الرئيسية منها.
وبذل «الإخوان» خلال الأعوام التالية لثورة يونيو 2013 كل ما يملكون من جهود وتحالفات لقطع علاقات مصر مع الدول الرئيسية في كل مناطق العالم، وخصوصاً في الغرب الأوروبي والأمريكي، وعزلها عن محيطها الإقليمي العربي والأفريقي والشرق أوسطي. ونجحت دعاية «الإخوان» وحلفائهم السوداء وحملاتهم المسمومة في عزل مصر في عامها الأول بعد ثورة يونيو 2013، فعلق الاتحاد الأفريقي عضويتها فيه، وارتبكت علاقاتها السياسية، وانهارت تبادلاتها التجارية والمساعدات، وخصوصاً الدفاعية مع الدول الغربية، وخصوصاً الأوروبية منها.
إلا أن الإرادة السياسية المصرية، ممثلة في قيادتها الجديدة المنتخبة عام 2014، في انتخابات رئاسية حرة فاز فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي، قادت البلاد نحو مصير آخر على الصعيد الدولي لم يكن أحد يتوقعه حينها.
الدبلوماسية الرئاسية المصرية، من خلال تحركات الرئيس المنتخب، أدت دوراً مركزياً ليس فقط في استعادة مصر علاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف على مستوى العالم، بل لتصبح هذه الحقبة هي الأكثر تنوعاً وتحركاً ونجاحاً في علاقات مصر الخارجية منذ قيام الجمهورية بها عام 1953.
فعلى صعيد المنظمات الدولية والإقليمية الرئيسية، لم تعد مصر فقط للاتحاد الأفريقي عضواً مؤسساً، بل أصبحت رئيسته لعام 2019، وانضمت عضواً بمجلس الأمن الدولي لعامي 2016 – 2017، وحضر رئيسها جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2014. وإذا أخذنا عام 2022 المنصرم مثالاً للقاءات متعددة الأطراف، فقد حضر الرئيس السيسي خلاله بفرنسا في شهر فبراير قمة «محيط واحد»، المخصصة للحفاظ على البيئة، وفي منتصف الشهر نفسه حضر في بلجيكا قمة المشاركة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، وفي شهر يونيو شارك في قمة جدة، التي جمعت قادة مصر والعراق والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية، وفي يوليو التالي حضر فعاليات «حوار بطرسبرغ للمناخ» في ألمانيا برئاسة مشتركة بين مصر وألمانيا، ثم في نوفمبر القمة العربية بالجزائر، وبعدها عقدت في شرم الشيخ برئاسة مصر قمة المناخ العالمية رقم 27، وبعدها مباشرة في شهر ديسمبر شارك الرئيس في القمة العربية الصينية الأولى بالمملكة العربية السعودية، وفي الشهر نفسه شارك في واشنطن في القمة الأمريكية - الأفريقية، واختتم العام بمشاركة الرئيس في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة.
وتؤكد أرقام أخرى مدى كثافة تحركات الرئيس المصري الخارجية على الصعيد الثنائي، فحتى ظهور جائحة كورونا ومنذ توليه الحكم قبلها بست سنوات، قام بـ (115) زيارة خارجية، زار فيها (46) دولة، شملت دولاً عربية (38) زيارة، وأفريقيا (29)، وأوروبا وأمريكا (29)، وآسيا (18) زيارة، كما عقد الرئيس على أرض مصر (911) اجتماعاً مع قادة ومسؤولين من مختلف دول العالم قاموا بزيارتها.
كسرت مصر عزلتها، واستعادت مكانتها الدولية، وتنوعت علاقاتها مع الجميع في كل قارات العالم، وحققت على الصعيد الخارجي نجاحاً لم تعرفه طيلة سبعة عقود.
* باحث وكاتب والرئيس الفخري لاتحاد الصحافيين العرب