يأتي انطلاق النسخة التاسعة من «القمة العالمية للحكومات» في دبي، بمشاركة 20 من رؤساء الدول والحكومات، وأكثر من 250 وزيراً، فضلاً عن قادة عدد من أبرز المنظمات العالمية، ونحو 10 آلاف مشارك آخرين من المسؤولين الحكوميين، وقادة الفكر، والخبراء العالميين، ليؤكد، ليس مكانة الدولة السياسية والدبلوماسية والتنظيمية الكبيرة والمتنامية عاماً تلو الآخر فحسب، وإنما ليثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن «نموذجاً إماراتياً» في الحكم والإدارة والتنمية وبناء الرؤية، بات قبلة ورهاناً لعالم تتخبطه الأزمات، الواحدة تلو الأخرى، للبحث عن سبيل آمنة لتجاوز المخاطر، والانطلاق إلى مستقبل يتيح فرصاً حقيقية للسلام والتعايش الإيجابي، والنمو والازدهار اللذين يضعان الإنسان هدفاً وغاية.

وتعقد دورات القمة، بعد عودة الحياة لطبيعتها، جراء «جائحة كورونا» الكاشفة عن الكثير من جوانب الهشاشة في نظامنا الدولي المعولم، في لحظة فارقة تزداد فيها مؤشرات تأزم العلاقات الدولية، وفقدان المنظومة الدولية بوصلة تحقيق رهانات استدامة النمو، وترسيخ السلام، وتعزيز الانفتاح وشبكات التفاعل الإيجابي العالمية النطاق. وكانت هذه الرهانات كلها موضع آمال وتطلعات ازدهرت، وغلبت على الكثير من السرديات السياسية والأكاديمية الغربية في الأساس، مع انتهاء الحرب الباردة، وصعود تصورات انتهاء عصر الحروب الكبرى، وانتصار النموذج الليبرالي، والقرية العالمية، وغيرها من التصورات التي تدحضها بقوة، العديد من الأزمات والإخفاقات والمخاطر الجوهرية، التي باتت تهدد، ليس مناطق بعينها، ولكن العالم كله، ولعل بعضاً من أبرز هذه المخاطر، يتمثل في:

1- عودة خطر نشوب حرب عالمية كبرى، ولو بشكل غير مقصود أو مخطَّط، مع تصاعد الصراع على شكل النظام الدولي، وديناميات اقتسام النفوذ بين القوى العظمى كلها.

2 - الفشل العالمي الخطر في تطوير توافقات واستجابات فاعلة ومتكاملة وكفؤة، لمواجهة تحديات عالمية الطابع، يمكن أن نرصد من أخطرها أثراً، التغير المناخي، وتداعياته البيئية والديموغرافية والجيواقتصادية، بل الجيوسياسية الواسعة النطاق، وانتشار الجوائح التي كشفت، ليس عن الهشاشة الخطرة للكثير من أنظمة الوقاية الصحية في العالم فقط، ولكن عن اتجاه التفاعلات الدولية بشأن التعامل مع خطر هذه الجوائح، لتغليب الجانب الصراعي على الجوانب التعاونية أيضاً، وأخيراً وليس آخراً، المخاطر التي تهدد سلاسل الإمداد وتوافر السلع الضرورية، ومنها الغذاء والدواء، لمئات الملايين من البشر في العالم.

إن التداعيات الخطرة لهذه التحديات، لا تقتصر على دول أو مناطق بعينها، ولكن تهدد الوجود الإنساني في مجمله على كوكبنا.

3- سباقات التسلح الإقليمية والعالمية، التي تهدد، ليس بتحويل موارد هائلة وضخمة بعيداً عن مسارات التنمية، وتحسين ظروف الحياة، وتعزيز أنظمة الحماية والرعاية للبشرية، ولكن باحتمال حدوث كوارث غير متوقعة أيضاً، إما نتيجة تعزيز النزعة إلى خوض الحروب، أو حتى نتيجة حوادث غير مقصودة.

وفي هذا الإطار، تأتي «القمة العالمية للحكومات»، وهي تضع عنواناً رئيساً لها «استشراف مستقبل الحكومات»، وتركز على 6 محاور رئيسة، هي: مستقبل المجتمعات والرعاية الصحية، وحوكمة المرونة الاقتصادية والتواصل، والتعليم والوظائف كأولويات الحكومة، وتسريع التنمية والحوكمة، واستكشاف آفاق جديدة، وتصميم المدن العالمية واستدامتها، لتقدم إلى الحكومات، والإنسانية كلها، رسالة بديلة لمنطق الصراع الذي تندفع نحوه بقوة القوى الكبرى حالياً، وتتمثل أبرز عناصر هذه الرسالة في:

1 - رؤية الحكم وتوجهاته هي جزء أساسي، إما من منطق صنع الأزمة، وإما إيجاد فرص التعايش والسلام والنمو.

2 - العمل الجماعي المتكامل والتعاوني إمكانية لا تنتهي إذا غُلبت المبادئ الإنسانية الحقيقية.

3 - الرهان على المستقبل، والعلم، هما السبيل لعدم الاستسلام لنوازع الصراع، التي قد تغلبها تناقضات المصالح الضيقة، أو العجز اللحظي عن التعامل مع مشكلات طارئة.

ويبقى أخيراً، ضرورة لفت الانتباه إلى أن هذا المنطق المختلف في بناء الرؤية التعاونية، والإدارة الإيجابية حتى للتناقضات، هما نتاج أصيل لخبرة الحكم الاستيعابية الفريدة، والنموذج التنموي المنفتح والتعايشي، اللذين أرساهما، منذ لحظة التأسيس الأولى لدولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه.

 

* مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية