حلفاء الكوارث القاتلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة 113 مذكرة اعتقال أصدرتها السلطات التركية في شأن تشييد مبانٍ مخالفة لمعايير البناء انهارت في الزلزال، منها ما لا يقل عن 12 جرى اعتقالهم بالفعل، بينهم مقاولو بناء.

هذا إجراء مهم وضروري وحيوي ويمثل أولوية، ولا يقل أهمية عن عمليات الإنقاذ الجارية بحثاً عن ناجين أو متوفين تحت أنقاض مبانٍ دمّرها الزلزال متحالفاً، في كثير من الحالات، مع الجشع الأسود.

حينما نشاهد في البقعة نفسها، في الحي أو الشارع نفسه، مباني تحولت إلى ركام فوق ساكنيها، وأخرى واقفة كأن شيئاً لم يكن، فإن وراء الأكمة الزلزالية ما وراءها. إذا استثنينا العمر الزمني الطويل لبعض المباني، فإن انهيار مبانٍ وثبات أخرى بالعمر والمكان نفسه، يعني أن خللاً قد حصل في معايير البناء.

هنا نحن أمام حالة لا أخلاقية قبل أن تكون غير قانونية ولذلك فإن الزلزال، وسواه من الكوارث الطبيعية، ليست المتّهم الوحيد في قتل الناس وتشريدهم وتجويعهم وإفقادهم ما يملكون في غمضة عين. وإذا كان من المتعذّر محاكمة الكوارث، بل معالجة تداعياتها، أو القيام بما هو وقائي إزاء بعضها، فإن أولئك الجشعين الذين يحقنون البناء بسموم الغش، لا ينبغي أن يفلتوا من العقاب.

المعايير الأخلاقية والضميرية ليست تحت سيطرة خارجة عمن يجب أن يحملوها في دواخلهم وسلوكهم، وهي حالة تربوية وتعبوية يشارك فيها المجتمع بأسره، بما فيه من مؤسسات تبدأ بالأسرة ولا تنتهي بالروضة والمدرسة والجامعة ودار العبادة. وحين تغيب هذه المعايير، ينبغي أن يتدخّل القانون ويأخذ مجراه، لأن الغش المتعمد بدافع الجشع في إنشاء المباني بمقام قتل عن سبق إصرار وترصّد، ومن يفعلون يجب ألا يفلتوا من العقاب، لأنهم حلفاء الكوارث القاتلة.

Email