انتبهنا للإيجابية الكاذبة؟

كثيرة هي مدارس التنمية الذاتية التي تدعو إلى الإيجابية والنظر إلى الحياة بنظرة تفاؤلية ومشرقة.

أحد أشهر الأمثلة التي تُضرب للمتشائمين الذين تغلب عليهم النظرة السلبية دعوتهم للنظر إلى النصف المليء من الكأس، بدلاً من النظر إلى النصف الفارغ، لإحياء روح التفاؤل فيهم والتركيز على الجانب المشرق من الحياة.

غالباً ما ننظر إلى الكأس بناءً على حالتنا النفسية وتجاربنا المحدودة التي مررنا بها. المشكلة تكمن ليست في التركيز على النصف الفارغ من الكأس وإنما في المبالغة في التركيز على جانب دون الآخر، بغض النظر مليئاً كان أو فارغاً.

مهما كنّا إيجابيين ومهما دعتنا الكثير من المدارس والمدربين إلى الإيجابية والتفاؤل، يجب ألّا تضللنا الإيجابية «الكاذبة» عن الإحاطة بجميع الجوانب من الكأس. التركيز على جانب دون الآخر، يعني وجود خلل في قدرتنا على رؤية الأشياء كما هي والحكم عليها بموضوعية.

التوازن في رؤية جميع الجوانب من الكأس لا تجعلنا أكثر موضوعية في الحكم على الأمور فحسب، بل تجعلنا مستعدين لاستثمار الإيجابية لصالحنا والتعامل مع الأحداث السلبية بإيجابية أكبر. بالإضافة إلى أن التوازن يحرك فينا الإبداع والاستعداد للتفكير في جميع الاحتمالات التي تعيننا على زيادة الجزء الممتلئ والتقليل من الجزء الفارغ إلى الحد الأدنى.

إنكار الجوانب السلبية من الأحداث وصرف النظر عن الأجزاء الفارغة قد لا يمت للإيجابية بصلة في بعض الأحيان، بل تقبل السلبية كيفما كانت وعدم إنكارها والتعامل معها بطريقة فطِنة وتحويلها إلى شيء نستفيد منه هي عين الإيجابية والشجاعة. يقول الشاعر العباسي أبو فراس الحمداني في بيت شعره الشهير «عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقِّيه».

ماذا لو كنا أكثر تقبلاً للجوانب السلبية في الأحداث من أجل التعامل معها والتخطيط لها بشكل أفضل؟ ماذا لو كنا أكثر موضوعية في رؤية الجوانب السلبية من الأمور ولم تضللنا الإيجابية الكاذبة لإصلاح ما يمكن إصلاحه؟