قبل أيام عدت من فيتنام حيث كنت رفقة مجموعة من الأصدقاء تربط بيننا علاقة الدراسة والعمل والحياة، والمودة والتقاعد وحبنا للسفر، للتعرف على بلدان العالم وعلى مجتمعاتها وأساليب حياتها وثقافاتها. وفي كل رحلة من رحلاتنا كنا نكتشف تجارب جديدة، كم تمنينا لو كنا زرناها ونحن لازلنا في كراسي الوظيفة لحاولنا الاستفادة من الجيد منها ووظفناه في العمل.
في زيارتنا هذه لفيتنام لاحظنا دروساً وعبراً ونماذج في العمل، استوقفنا بعضها، وأعاد لي ذكرى محاضر اجتماعاتنا يوم كنت رئيساً للجنة الثقافية لدول مجلس التعاون، حيث تم طرح موضوع التصنيع الثقافي والاستفادة من مخزون ثقافتنا الخليجية، في هذه الزيارة إلى فيتنام زرنا بعض المواقع منها مركز استزراع اللؤلؤ فتذكرنا الأهوال التي لاقاها الآباء والأجداد وهم يغوصون إلى أعماق البحار ليلتقطوا محار اللؤلؤ الطبيعي، وكم عانوا من أجل ذلك، عليهم الرحمة والغفران من الله. سألت نفسي لماذا لا يتم هذا الاستزراع عندنا ولدينا مساحات من البحر صالحة لذلك، وهناك تجربة ناجحة في رأس الخيمة، ومحاولة للغوص القديم في دبي وأبوظبي وكانت ناجحة كذلك. وزرنا مركز تصنيع اللوحات والأعمال الفنية اليدوية التي كان يقوم بها عدد من ذوي الهمم في إبداع فني جميل ومميز، رغم بساطة المواد الخام المستعملة مثل الخشب وقشور البيض والأصداف وبعض الصبغات والألوان والفرش.
كما زرنا صالة بيع الملابس والأقمشة المصنعة من شجر البامبو وكانت ملابس مميزة اشترينا منها القمصان والمناشف وملابس النساء.
تذكرت هنا ما كانت تقوم به النساء لدينا قديماً لتزيين الملابس بخوص التلي والزري والخيوط وكن يرددن منشدات: (بسألج يا الكندوره عن من خاط ودرز / قالت حسين الصورة لي في الرايح برز.) كما اشتغلن في أعمال السدو، التي عملن منها الخيام والمساند والأرائك وجملن بها البيوت.
لقد دخلن قديماً فن الحياكة التقليدية فخطن الملابس الرجالية والنسائية، ولا يزال بالإمكان تدريب الفتيات على القيام بهذا العمل وإشراكهن في صناعة الملابس من خلال المصانع المنتشرة بالدولة في ظل سياسة التوطين، وتوفير الوظائف للراغبات في العمل.
وعلى ذكر أشجار البامبو لماذا لا يتم تطوير صناعة منتجات النخيل، هذه الشجرة المباركة التي يستفاد من كل جزئية منها فقد قام الأوائل بالاستفادة من كل أجزاء النخلة، الجذوع الجريد والسعف والكرب والليف والحبال والمكانس وأعمدة الخيام وبناء المنازل والفراش والمراوح ومعدات حفظ الطعام ناهيك عن البلح والنوى. وبالإمكان تطوير تلك المنتجات وتصنيعها تجارياً هدايا للسواح وللاستعمالات في البيوت. السوق لدينا مليئة بنماذج رمزية مما يعبر عن ثقافة الإمارات، ولكنها للأسف من صناعة بلدان أجنبية. ولقد قام أحد الخطاطين بدولة قطر بمحاولة لتصنيع الورق من سعف النخيل.
أعلم أن كل ذلك من الممكن أن يتم في ظل العمالة الرخيصة الوافدة، لكن ما أعنيه أن تكون لدينا معاهد للتعليم والتدريب. وأن يغتني السواح والزوار مما تنتجه هذه المعاهد، وتشجيعاً لذلك تلتزم المؤسسات الحكومية بتقديم الدعم لهذا المنتج ضمن هداياها الرسمية. وأن نفاخر بقول صنع في الإمارات.