في هذا الأسبوع تكمل حرب أوكرانيا عامها الأول، من دون أن يتمكن كلا الطرفين المتحاربين من حسم نتائج الحرب لصالحه، أو تبدو ملامح واضحة لتطور وقائعها التي تتحدد إما في ساحات المعارك، أو بالحوار، تسعى الآن وبالهمة نفسها لإدامة أجلها، والضغط على حلفائها الأوروبيين لمواصلة مد كييف بالأموال والأسلحة، فضلاً عن تنصيب الرئيس الأوكراني «زيلينسكي»، الذي استقبلته العواصم الأوروبية والكونغرس الأمريكي بالأحضان والأوسمة زعيماً ورمزاً للمقاومة العالمية. لعلهم قد صدقوا زعمه بأن حربه مع الروس هي دفاع عن أوروبا، وما تصريح «روب بارو» رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، بأنه «مهما كانت نتيجة الحرب، فمن المرجح أن تكون لروسيا طموحات أخرى مماثلة» سوى قبول بذلك الزعم.
أما «زيلينسكي» نفسه، فيغلق كل باب يُفتح للحديث عن وساطة أو حوار لإنهاء الحرب، فلا وقت للحوار عنده، وفي رأيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يهدر وقته بالدعوة للحوار مع موسكو. ولا شيء يهم في الحديث عن عشرة ملايين لاجئ أوكراني وتزايد أعداد القتلى ودمار المدن والأحياء. الوقت متاح فقط لكي تمضي الحرب في تحقيق هدفها، وهو إضعاف روسيا، لأن بقاءها قوية رأسمالية كانت أو شيوعية، غير مرحب به في الدولة الأمريكية العميقة وغير العميقة. ولأن إدارة بايدن اتخذت قراراً بمنع روسيا من تحقيق مكاسب اقتصادية على حساب دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما انتهى بتفجير البحرية الأمريكية خط أنابيب «نوردم ستريم 2»، الذي كان من شأنه نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، طبقاً لما كشف عنه أخيراً الصحافي الأمريكي «سيمورهيرش»، صاحب الانفرادات الصحفية الشهيرة، وكان من بينها كشفه للجرائم المرتكبة في سجن أبوغريب في العراق.
لا شيء يهم، أن يجأر بالشكوى مسؤولو الدفاع في الدول الأوروبية، بأن خزائن الأسلحة في بلادهم باتت خاوية، بعد تدفق سلاحهم إلى كييف ووصول حجم دعمهم العسكري لزيلينسكي إلى 60 مليار يورو. ومن دواعي أسئلة البحث عن جدوى، التي لا يجيب عنها أحد، أن تحقيقاً يجري حالياً في «كييف» عن ضياع بضعة مليارات منها في قضايا رشى وفساد، في الوقت نفسه الذي يغلق «زيلينسكي» مواقع صحافية تطالبه بالتفاوض لوقف استمرار الحرب. ليس مهماً أن يملأ مواطنو دول الاتحاد الأوروبي الشوارع بمظاهرات شبه يومية، احتجاجاً على تدني مستوى الخدمات العامة وغلاء المعيشة والبطالة وتسريح العمالة من المشروعات الاقتصادية والشركات، وهي أوضاع فاقمتها الحرب الأوكرانية، بعد جائحة كورونا، المشكوك حتى الآن في كيفية انتشارها، وهل هي فيروس جلبته الطبيعة المتقلبة، أم جرى تصنيعه في المعامل البيولوجية، ومن هي الأطراف الدولية المتورطة في ذلك، وتتكتم أجهزة الدعاية الغربية عليها؟
استمرار الحرب الذي بات هدفاً لكييف وواشنطن يرفع من وتيرة سباق التسلح في الدول الأوروبية. المستشار الألماني «شولتز» أعلن أخيراً عن تخصيص 100 مليار يورو لتسليح جيش بلاده، وطبعاً جزء كبير من أموال ملء الخزائن الأوروبية الخاوية بالأسلحة سيذهب للمجمع العسكري الأمريكي، باعتبار أن الولايات المتحدة أكبر منتج ومصدر للسلاح في العالم.
في حديث صحافي شيق للمخرج العالمي «رادلي سكوت» قال إنه مؤمن بأن أحداً لا يتعلم من دروس التاريخ، وتكرار الحروب التي اشتعلت عبر التاريخ، ولم تكن تجني سوى إهدار للأرواح والممتلكات، وهدم للقدرات، شاهد على ذلك. ليس «سكوت» في حاجة إلى أدلة على نقص الوعي بدروس التاريخ، لا سيما المؤلمة منها. وليس ببعيد الفشل الأمريكي في حرب فيتنام، والانسحاب من أفغانستان، وليس ببعيد أن حولت واشنطن حربها على الإرهاب إلى مبررات للغزو والاحتلال والتدخل في شؤون الدول، والدوس بالأقدام على كل القوانين التي صاغها ميثاق الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، من أجل توازن القرار الدولي، وما يجري في منطقتنا لا تنقصه الأدلة عن غيبة العدالة عن ذلك القرار.
موسكو لن تهزم، وكييف لن تنتصر، هذا إجماع من معظم المحللين العسكريين في أنحاء العالم. وفي الساحة الدولية الآن مبادرة صينية ووساطة سعودية من أجل إنهاء الحرب، وليس من مصلحة الأطراف الدولية التي تتضرر مصالحها استمرار تلك الحرب أن تتباطأ في دعمهما، ولإنقاذ البشرية من مهرجين لا يهمهم في شيء دمارها.
*رئيس تحرير الأهالي المصرية