لا تزرعوا «تينة» إيليا

قرأت خبراً متداولاً إعلامياً يشير إلى نتائج بحثية تجزم بأن تأثير التمارين الرياضية في الصحة النفسية قد يكون معادلاً، أو ربما يفوق تأثير العقاقير الطبية التي يتم وصفها للمرضى في شأن العلاج من الكثير من الحالات، وأبدت الدراسة البحثية اندهاشاً من عدم توقف الأطباء المختصين عند أهمية الرياضة، في مقابل الاهتمام بالوسائل العلاجية التقليدية، ممثلة في وصفات الأدوية، أو حتى الجلسات النفسية.

لا أقف هنا بالتأكيد عند المحتوى الصحي أو الطبي للمعلومة، بقدر ما يستوقفني دائماً هذا الجانب المسكوت عنه وما لا يقوله أو يصرح به الكثير من أهل الاختصاص، وهنا لا أعني مطلقاً القطاع الطبي الذي تضمنه الخبر، فاللاعب المخضرم، والمصمم البارع، والحرفي الماهر، وسواهم، كل منهم يمتلك مخزوناً هائلاً من الخبرات لو أرادوا وأحسنوا نقلها إلى قطاع أوسع من قليلي الخبرة، أو حتى المتعاملين معهم، واستوعبها الأخيرون جيداً وسلك المسلك ذاته سواهم من المخضرمين، لتراكم لدى الأجيال خبرات تجنبهم الوقوع في فخ تكرار الأخطاء نفسها.

في قطاع الإعلام يمكن لكاتب مخضرم أن يقدم خبرات حقيقية لسواه، بدلاً عن تصويب الأخطاء ذاتها كل يوم، وسيتمكن المحرر الشاب حينها من التقدم مهنياً بشكل أفضل، وهنا لا أتحدث عن نصائح نظرية، أو مقولات أكاديمية، ولا حتى عن وصفة بعينها، ولكن ما أعنيه هو ممارسة سلوك النقل الأمين للخبرات، وهي في جانب منها يتحتم المرور بها، من أجل تلافيها، ليتعلم المخطئ مهارات تتجاوز مجرد تصويبها، وممارسات تنقل إليه قبساً مما حمله من مروا قبله على الدرب ذاته.

هناك دائماً جانب آخر لن تحصل عليه في مهنتك إلا من لدن السائرين على الدرب قبلك، وستكون محظوظاً جداً إذا قُدر لك في مستهل مشوارك المهني، أن تقابل شخصاً واحداً مخلصاً في نقل ما لا ينقله الآخرون لك، نعم شخصاً واحداً من هذا النوع الأمين في نقل خبرته ومعارفه، وفي هذا التوقيت المبكر، وسيظل المعيار الأهم أن تكون ممن يقدرون قيمة هذا النقل الماسي، فتتقبله بقبول حسن من ناحية تقدير أهميته واستيعابه، وحسن توظيفه في سياقه، وإلا سيظل مجرد «كلام» يحمل سمة التوجيه الثقيل على سمع متلقيه.

الإنفاق من مخزون الخبرة والمعرفة لا يبدد المعين أبداً، بل على العكس يجدده، ويثريه، ويكسب الثابت الراكد إيجابيات المتغير المتحرك، بتساؤلاته واندهاشاته، وإقراره ورفضه، وتغدو تربة الأرض المعطاءة أكثر خصوبة حينما ينعم الناس بخيراتها، أما آبارها وأنهارها وروافدها فلا يزيدها النهل من مياهها إلا مزيداً من ارتفاع مقاييسها، وحديث «تينة» إيليا أبي ماضي الحمقاء معروف للجميع... فلأولئك الضانين بخبراتهم ومعارفهم.. لا تزرعوا في أرضكم «تينة» أخرى من الفصيل ذاته.

الأكثر مشاركة