تسير الأوضاع في ليبيا على حبل مشدود، ما إن تظهر بوادر انفراجة، يدخل المشهد في دوامة دائرية جديدة، يصعب الخروج منها.

حالة تربص وغموض، تكتنف تصرفات بعض الأطراف السياسية، مطالبات بأهمية التفاعل والتعاطي السياسي للخروج بليبيا إلى الأمام، وفي الوقت نفسه، نجد تصرفات خلف الأبواب، تُفضي إلى التباطؤ، وخلط الأوراق، وإطالة أمد الأزمة.

كان الليل طويلاً على نيل القاهرة، عندما قال صديقي الإعلامي الليبي: لا يوجد حل للأزمة الليبية من خارجها، فما طرحته واشنطن الأيام الماضية في إفريقيا «إفريكوم» بشأن توحيد المؤسسة العسكرية الليبية في حضور رئيس أركان الجيش الوطني الليبي عبد الرازق الناضوري، ورئيس الأركان العامة بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحداد، وما عكسه هذا الاجتماع من نيات للمُضي قدماً في توحيد المؤسسة العسكرية، قد يدفعنا إلى سؤال: هل ستنجح هذه المبادرة في توحيد المؤسسة العسكرية الليبية؟

لم ينتظر الصديق إجابتي، لكنه واصل حديثه قائلاً: واشنطن لها حساباتها ومصالحها، لا تريد أن تترك أية مساحات لروسيا في ليبيا، ومن ناحية أخرى تحدثت واشنطن، من قبل، عشرات المرات حول توحيد المؤسسة العسكرية، لكنني أرى أن هذه الفكرة لن تتحقق دون توافر الإرادة الحقيقية لأصحابها، ودعني أؤكد لك، هكذا كان يسترسل صديقي: أنا مواطن ليبي وأتابع جيداً كل المجهودات التي تبذل في هذا الشأن، وبصراحة شديدة أرى أن القاهرة تلعب دوراً بالغ الأهمية في هذا الملف، سيما أنها استضافت اللجنة العسكرية 5+5 العديد من المرات، من أجل الوصول إلى اتفاق، خصوصاً أن هذه الخطوة تمثل نقطة ارتكاز كبرى على طريق الاستقرار والأمن الليبي، فضلاً عن أنها ستقطع الطريق تماماً أمام الميليشيات المسلحة، والتنظيمات والجماعات الإرهابية، والقوات الأجنبية التي تستغل ظروف الانقسام، وتسعى لملء مساحات الفراغ، وبالتالي، فإن النجاح في التوصل إلى اتفاق يضمن توحيد المؤسسة العسكرية، سيمثل إنجازاً كبيراً في معادلة الاستقرار الليبي.

أيدت رأي صديقي الليبي مقاطعاً إياه بسؤال:

وفي رأيك: ماذا تحتاج الأزمة الليبية لكي تبرح مكانها؟

صمت قليلاً ثم قال بصوت واهن:

يا صديقي.. دعك من التنظير الذي يطاردنا عبر أصوات النخبة، فالقضية الحقيقية تكمن في صدق النيات، والإرادة الصادقة، للوصول إلى اتفاقيات تتعلق بالمصلحة العليا لليبيا، وتحديد موعد لانطلاق الانتخابات البرلمانية الرئاسية وتشكيل حكومة للوحدة، فليبيا لا تتحمل المزيد من التشرذم، فهي دولة لديها موارد طبيعية كبرى، والسباق عليها من الخارج لم يتوقف، موقعها الجغرافي منحها سلطة لم تدرك الأطراف المتصارعة أهميتها، ومن ثم، فإن التحرك نحو الأمام وكسر الجمود المتراكم منذ عقد مضى بات أمراً لا يقبل القسمة على وجهات النظر.

بينما يواصل الصديق الليبي حديثه استوقفته مؤكداً: معك حق، لكن هل تدرك أطراف الأزمة الليبية، أن المتغيرات من حولها سريعة، والسباق الدولي على حجز مقاعد في ليبيا يزداد يوماً بعد الآخر، سيما وسط أزمات طاقة، خلقتها الأزمة الروسية - الأوكرانية، وليبيا دولة تتمتع بثروات نفطية كبرى، بات اللجوء إليها أمراً ضرورياً، ومن ثم، فإن الاحتياج الدولي لليبيا، يجب أن يكون دافعاً للمّ الشمل الليبي، والاستفادة من قدراتها الوطنية، والحفاظ على مؤسساتها، وجعل خيرات الدولة الليبية لأبنائها، وعدم السماح للتدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية.

أرى أن الجولات واللقاءات والمباحثات، التي جمعت الأطراف الرئيسية الفاعلة، خلال الفترات الماضية، تضمنت كل السيناريوهات والمخاوف التي تهدد المستقبل، ومن ثم، فإن الجميع في اختبار وطني حقيقي، إما ليبيا الدولة وإما ليبيا الساحة، فالليبيون أنفسهم هم مفتاح الحل.

 

*رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»