بات الحديث عن وجود علاقة مباشرة بين الإسلام والإرهاب، خلال العقود الأربعة الماضية، شائعاً ومتكرراً في مختلف دول الغرب الأوروبي والأمريكي، في كثير مما تنشره وسائل الإعلام، ودراسات وتقارير مراكز التفكير والبحث، وأحاديث وتصريحات القادة السياسيين، بحيث أضحى كلاهما لديهم مرادفاً للآخر. وعلى الرغم من الحقيقة الدامغة بأن كلاً من المفهومين له خصائصه شديدة الاختلاف عن الآخر، إلى الحد الذي لا يسمح بأي ادعاء بوجود هذا الترادف المزعوم، فإن هذا الخلط الجارف تحول إلى حملات فكرية وسياسية وشعبية واسعة، راحت تدفع قطاعات واسعة من الرأي العام والنخب الثقافية والحاكمة في الغرب، إلى اتخاذ مواقف وسياسات مضادة للإسلام – والمسلمين بالطبع – باعتباره مرادفاً للإرهاب المدان والإجرامي.
ولعل التتبع والتحليل المدققين لهذا الخلط المستمر طوال تلك السنوات، بصورة علمية، يفضي إلى أن تلك الحملات لنشر الترادف المصطنع بين الإسلام والإرهاب، كان يقف وراءها أحد عاملين أو الاثنان معاً: إما الجهل بحقيقة الاختلاف بين مضموني كل منهما، أو الرغبة المتعمدة في جعلهما متطابقين بالرغم من العلم التام باختلافهما. ولا شك أن عاملاً ثالثاً مهماً قد ساعد العاملين السابقين على لعب دورهما في خلق وترويج ذلك الترادف المغلوط، وهو الادعاءات المستمرة من كل جماعات العنف والإرهاب التي تنسب نفسها زوراً وبهتاناً للإسلام، بأن ما نقوم به من جرائم يقوم على ما تزعم أنها تعاليم الإسلام الحقيقي.
والحقيقة أن فك ذلك الخلط المغلوط والخطر بين الإسلام والإرهاب لدى الغربيين وتوضيح حقيقة العلاقة بينهما، يستلزم اللجوء إلى مناهج وأساليب مختلفة يفهمها هؤلاء الغربيون وتساعدهم على اكتشاف حقيقة الانفصال التام بين الإسلام والإرهاب. وهنا يظهر السبيل الرئيسي العلمي، وهو الحقائق التاريخية الكبرى التي أظهرتها وأكدتها الدراسات التاريخية الغربية الجادة المتخصصة منذ القرن الثامن عشر في تاريخ الإسلام والمسلمين.
فالحقيقة التاريخية التي أبرزتها غالبية تلك الدراسات، هي أن الإسلام عاش أكثر من أربعة عشر قرناً في بقاع مختلفة من العالم، فإذا كان حقيقة مرادفاً للإرهاب فلماذا لم يكن تاريخه كله أو أغلبه مليئاً بالقتل والترويع والدماء؟ ولم تكن هذه الرؤية للخلط بين الإرهاب والإسلام، هي السائدة في دراسات التأريخ الغربي العلمي للإسلام والمسلمين، ولم تنجرف إليه أغلبيتها، بالرغم من عدم موضوعية وحياد العديد منها تجاه الإسلام وتاريخ المسلمين.
كما أن هذه الدراسات نفسها نفت ذلك الخلط المزعوم، لتناقضه تماماً مع حقيقة تاريخ انتشار الإسلام في مختلف مناطق العالم ليصبح اليوم الديانة السماوية الثانية الأكبر فيه، فقد تم معظم هذا الانتشار عبر الدعوة والتجارة، ولأسباب معظمها يتعلق بسماحته وسعته وليس بعنفه أو بتطرفه. ولقد كانت هناك بالفعل - كما يذكر هؤلاء المؤرخون الغربيون - بعض فترات الاضطراب والعنف في التاريخ الإسلامي الطويل، لكنها لم تكن قط سمة ثابتة أو حتى غالبة فيه، بل كانت محض ممارسات مؤقتة ومحدودة من جماعات وطوائف صغيرة وقليلة في ذلك التاريخ الطويل. ولم تكن هذه الممارسات مختلفة عن تلك التي عرفها تاريخ الديانات كلها، من بعض التأويلات والتفسيرات المتطرفة والمغالية التي تعتنقها مجموعات مؤقتة من التيارات والطوائف الصغيرة التي ظهرت ـ ولا تزال ـ في كل الأديان بما فيها الإسلام، وليس ترادف جوهر أي دين منها، وفي مقدمتها الإسلام، مع مفهوم الإرهاب البغيض، بل لظهورها لأسباب تتعلق ببعض المجتمعات والفترات وما حدث ويحدث فيها من تفاعلات وتغيرات تؤدي لهذا.
المؤكد هو أن هذا الخلط المزيف والبغيض بين الإسلام والإرهاب، لا يزال متنامياً في الدول الغربية وبين نخبها السياسية والثقافية وبالتالي في مجتمعاتها والرأي العام بها. والمؤكد أيضاً أننا ـ نحن المسلمين والعرب ـ بحاجة لخطاب علمي رصين مختلف لمواجهته وتصحيحه، وبحاجة بالتوازي مع هذا لاستراتيجية متكاملة منظمة المراحل وصبورة التنفيذ لنشره، مع كل ما تحتاجه من موارد ووسائل وإمكانيات بشرية ومادية وتقنية، لإزاحة هذا الخلط البغيض الزائف وإحقاق الحق وهو أنه لا صلة بين الإسلام والإرهاب.