قرأت خبر زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للقاهرة الأسبوع الماضي، فتذكرت على الفور، لقاءً جمعني عام 2009 بالراحل وليد المعلم وزير الخارجية السوري في آخر زيارة له إلى القاهرة، المسافة طويلة ما بين الزيارتين، أكثر من عقد مضى. القاهرة لم تكن تستريح في بُعدها عن دمشق، لكنها الظروف والتداعيات التي فرضها ما يسمى بالربيع العربي، وروافده التخريبية والفوضوية والإرهابية.

أتذكر أن حديثي مع الوزير المعلم، كان يدور من عمق وأهمية العلاقة السورية بمصر، وبالعالم العربي. إذ قال لي نصاً: «لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يحدث شقاق دائم بين الأشقاء العرب»، واليوم أجد أن هذه المقولة، تمت ترجمتها إلى واقع حقيقي يعيشه العرب. فسوريا في طريقها للعودة بقوة وعمق إلى محيطها العربي كدولة فاعلة ومؤثرة ووازنة، تتمتع بخصوصيتين جغرافية وتاريخية تمنحانها مكانة خاصة في معادلة الأمن القومي العربي.

فلو تأملنا الترحيب والحرص العربي على فتح الأبواب من جديد أمام دمشق والشعب السوري، يتأكد لنا أن هناك إرادة قوية وسرعة في عودة الحضور السوري مرة أخرى، فمن القاهرة شاهدنا الرسائل القوية والواضحة لزيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، فهذه الزيارة بمثابة طفرة كبيرة على جميع المسارات الثنائية والعربية، وستأتي بثمارها الإيجابية على العلاقات العربية - العربية، كما أنها تأتي ضمن سياق عربي، يتسم بالانفتاح الكامل الذي يتوافق مع الزخم في العلاقات السورية - العربية، ومنها إعادة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والعرب.

إذاً نحن أمام منعطف جديد للدولة السورية، ترتبط به مواقف وتقديرات عدة، يأتي في مقدمتها أن كل هذا الزخم العربي اتجاه دمشق، سيصب في صالح بلورة موقف عربي، يقود إلى عودة سوريا إلى البيت العربي، جامعة الدول العربية، بعد أن تم تجميد عضويتها في نوفمبر 2011، فعودتها تعطيها دفعة قوية لاستعادة عافيتها واكتساب قدرة إضافية على مواجهة الإرهاب، ولا شك أن استعادة سوريا لقوتها وعافيتها ستنعكس إيجابياً على تحسين الأوضاع الاقتصادية وجذب الاستثمارات الخارجية، وفتح أسواق مشتركة مع أشقائها العرب، والانتقال من حالة العزلة إلى الانفتاح والمشاركة الكاملتين، فكل هذا قطعاً سيعيد ترتيب الأوراق العربية السورية من جديد، سواء على مستوى التبادل التجاري والاقتصادي، أوعلى مستوى المشاركة العربية في إعادة إعمار الدولة السورية التي تصدعت عبر مراحل عدة منذ مارس 2011، وصولاً إلى زلزال 6 فبراير الماضي.

أما الرسالة التي تستحق التوقف أمامها بشأن عودة العلاقات العربية - السورية، فهي التي تتعلق بكتابة العرب لقاموس جديد، يؤسس لنمط مغاير في العلاقات العربية - العربية، وسط نظام عالمي جديد يجرى تشكيله الآن، وأيضاً وسط تحديات كبرى على الصعيدين السياسي والاقتصادي، تفرض على العرب جميعاً اكتشاف مساحات جديدة من التوافق والعمل المشترك، ومن ثم فإن هذا النوع من العلاقات العربية – العربية، سيكون بمثابة قيمة مضافة للعرب في المعادلات الإقليمية والدولية، فالتقارب العربي - السوري يؤكد عمق وقوة التحولات الإقليمية، سواء في المصالحة العربية مع إيران أم تركيا، بل إن هذه التحولات باتت تمثل منهجاً جديداً وقوة مشتركة لاستعادة العلاقات العربية - العربية من ناحية، والعربية الشرق أوسطية من ناحية أخرى، وهو ما يؤكد أننا أمام ملامح عالم عربي جديد قادر على التفاعل مع التحديات الإقليمية والدولية، وجاهز للتعامل مع النظام العالمي الجديد.

 

 

* رئيس تحرير مجلة «الأهرام» العربي