خلال الفترات التي تصاعدت فيها الموجات الإرهابية التي ينسب أصحابها أنفسهم – زوراً وبهتاناً – إلى الإسلام منذ العقد الأخير في القرن الماضي، تعددت في الدراسات الغربية نظريات تفسير هذه الظاهرة المقيتة. وراح الباحثون الغربيون في أمريكا وأوروبا – ومن لف لفهم من الباحثين المسلمين والعرب – يفحصون كل الأوضاع الفكرية والسياسية والاقتصادية الاجتماعية التي رافقت الظاهرة، محاولين الخروج من هذا برؤى ونظريات تفسرها.
ويمكن بعد كل تلك السنوات تصنيف نظريات التفسير هذه في الفكر الغربي إلى ثلاثة اتجاهات غالبة زاعقة ورابع متوار وخجول.
يركز التفسير الأول على أن أصل الإرهاب فكراً وممارسة إنما هو طبيعة الدين الإسلامي نفسه والذي يتضمن – بحسب أصحاب هذا التفسير – عناصر وجذوراً تفتح الباب للرؤى والتفسيرات التي يتبناها المتطرفون والإرهابيون وينسبونها للإسلام.
ويرى التفسير الثاني أن غياب الديمقراطية وهيمنة نظم وقيم الاستبداد على الدول والمجتمعات المسلمة، يمثل الدافع الرئيسي للجوء عديد من أبنائها إلى الإرهاب كفكر وممارسة للتمرد على هذا الوضع.
ويرجع التفسير الثالث موجات الإرهاب الذي ينسب نفسه للإسلام، إلى الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية للفئات الفقيرة وشديدة الفقر والمهمشة في المجتمعات المسلمة، والتي تدفع بها أحوالها المتدهورة نحو العنف الذي يرتدي أردية الدين الإسلامي.
وكما هو واضح، فإن النظريات الغربية التي حاولت تفسير الظاهرة الإرهابية المنسوبة للإسلام بغير حق، تقوم كلها على أن العوامل والدوافع التي تشكل هذه الظاهرة، إنما توجد فقط في الساحات الداخلية للمسلمين، سواء كانت دينهم نفسه أو أوضاعهم السياسية أو أحوالهم الاقتصادية – الاجتماعية. وبالرغم من أن بعضاً من الدراسات الغربية ربط أحياناً في تفسيرها بين تلك العوامل الثلاثة، فهي كلها ظلت تنظر إليها كعوامل ودوافع هيكلية دائمة ومستمرة منذ زمن طويل في الإسلام نفسه وفي المجتمعات المسلمة.
وبدا واضحاً في التفسيرات الثلاثة غياب أي أثر لوجود عوامل أو دوافع خارجة عن إطار هذه الساحة الداخلية للإسلام والمسلمين، سواء تعلقت بسياسات راهنة لدول غير مسلمة، أو بتفاعلات تاريخية كانت بعض تلك الدول طرفاً مباشراً فيها مع دول ومجتمعات إسلامية.
وظلت العوامل الخارجية في تلك التفسيرات هي الأقل انتشارا وتبنياً وتطل من وقت لآخر بحذر وخجل شديدين. فالخارج عن الإسلام والمسلمين في تلك النظريات بكل مكوناته السياسية والفكرية والتاريخية، ليس فقط غير مسؤول عن تشكل الظاهرة الإرهابية التي تنسب نفسها للإسلام، بل هو لدى أصحاب تلك النظريات الضحية الرئيسية لها.
بل وذهب أصحاب تلك النظريات إلى أبعد من هذا بالقول إن مجرد الحديث عن العوامل الخارجية عن الإسلام والمسلمين في تفسير نشأة تلك الظاهرة وتطورها، إنما هو محض هروب من المسؤولية الذاتية العربية والإسلامية، ومحاولة لإلقائها على الآخر الخارجي الذي ليس له صلة حقيقية بها، فضلاً عن أنه يشكل نوعاً من التبرير لنشأتها واستمرارها بالصورة الدموية الكريهة التي تتسم بها.
ويبدو واضحاً في هذه الرؤى مدى تناقضها مع العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية الحديثة خاصة ذات الأصل الغربي، والتي لا ترى في الأفكار بمفردها عاملاً وحيداً محركاً ومفسراً للوقائع التاريخية الكبيرة، وتضيف دوماً إليها عوامل أخرى واقعية متعددة داخلية وخارجية، بما يعطى في النهاية تفسيراً مركباً لهذه الوقائع.
كذلك فهذه الرؤى تتناقض مع التطور الواقعي المعروف للظاهرة الإرهابية المنسوبة للإسلام، حيث يبدو واضحاً أن تزايد معدلاتها واتساع مساحتها ارتبطا في أحيان كثيرة مع تطورات وسياسات لدول خارج العالم الإسلامي تجاه دوله وشعوبه، معظمها كان عدوانياً.
فضلاً عن كل هذا، فلو كان الإسلام هو أصل التطرف، فكيف يمكن أن تفسير الندرة الشديدة لعدد من ينخرطون في الحالة الإرهابية فكراً وممارسة، بالقياس إلى مليار ونصف المليار من المسلمين الذين يرفضونها على المستويين، وينخرطون في حياتهم السياسية والاجتماعية بالطرق السلمية والديمقراطية في مختلف البلدان المسلمة دون أي لجوء للعنف أو القوة أو الإرهاب.