الأزهر والفضاء والقوى الناعمة

حين تجد المعنى مترجماً إلى فعل يغني عن محاولات الكلام للشرح والتفسير، فهذا ما يسمونه الفعل بألف حرف ويزيد. وحين تلوح القوى الناعمة في الأفق، لتيسر الصعب، وتبرهن الدليل، وتأتي بالتأثير دون افتعال، فإنك بصدد استدامة للأثر، واستقامة للمضمون، وعظمة للمدلول.

ومدلول اختيار جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بمباركة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، ليكون الشخصية الإسلامية للدورة الـ 26 لمسابقة جائزة دبي الدولية للقرآن، عظيم وعميق.

عمق القرابة، ولا أقول العلاقة، بين مصر والإمارات، أكبر من جهود التأريخ. قائمة العوامل التي تؤدي إلى تقارب الأمم متوافرة، لكن يضاف إليها دقات قلب متناغمة، يصعب شرح إيقاعها، وإن كان يسهل الشعور بوقعها.

حيثيات الجائزة تشير إلى تقدير جهود الدكتور أحمد عمر هاشم في خدمة الثقافة الإسلامية والقرآن الكريم والسنة النبوية. والرجل – أمد الله في عمره - يحمل عشرات السنوات من الجهد والعمل والتفسير المستنير، والترجمة الفعلية لسماحة الدين على مستوى العالم. وتحدثت الجائزة عما قام به فضيلته – وما زال - في خدمة الإسلام والمسلمين على مستوى العالم العربي والإسلامي، ودعمه المتواصل وعطائه في الداخل والخارج.

الرموز الثقافية المؤثرة تأثيراً إيجابياً قوى ناعمة، هذه القوى تقرب بين الشعوب، وتنشر الفكر القائم على المنطق والإنسانية بنعومة ويسر، دون افتعال أو ادعاء، لذلك فإن أثرها يبقى، ومفعولها يستدام.

ودلالات التكريم هذه كثيرة، فالجائزة التي تتزامن وشهر رمضان المعظم، ترفع راية السماحة والتقارب الإنساني، وسعة صدر الإيمان، والدكتور أحمد عمر هاشم، الذي شغل عشرات المناصب، من بينها رئيس جامعة الأزهر الشريف، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، كان في طريقه إلى الجزائر للمشاركة في مؤتمر، إلا أن إصابته بوعكة صحية، أدت إلى هبوط الطائرة اضطرارياً في مالطا، ودخوله المستشفى، وهو ما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لإرسال طائرة مجهزة لإعادته إلى مصر، لذلك، فإن توقيت الجائزة، التي هي تكريم وإشادة واعتراف بمسيرة الرجل الطويلة، وكونه أحد قوى مصر والعالم العربي الناعمة، وسفيرها إلى العالم، أشبه بدواء الروح.

خبر الجائزة انتشر في الشارع المصري انتشاراً فائق السرعة، شعبياً، أصبح الخبر «أحمد عمر هاشم شخصية رمضان هذا العام في الإمارات». وخلاصة الخبر في العالم العربي والإسلامي، هو أن شخصية رمضان في الإمارات مصري، ولها أكبر الأثر لا في العلاقات بين الدول فحسب، ولكن على الروابط بين الشعوب والأمم. ويمكن القول إن القوى الناعمة صانعة حضارات.

ذكاء رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، ولقطاته المصورة التي نشرها قبل أيام للقاهرة من الفضاء، قوة ناعمة أخرى، تشرح المقصود بخصوصية الرابطة بين مصر والإمارات .

النيادي – الذي استهل مع البعثة الموجودة على متن محطة الفضاء الدولية مهمتها العلمية – قوة ناعمة عربية. فهو يشارك في أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب، ولم يكتفِ بذلك، بل امتد أثر قوته الناعمة العلمية والعملية لما هو أكثر. نشر النيادي لقطاته من الفضاء للقاهرة، وذيّلها بهذه الكلمات: ««نهضة مصر، نهضة للعرب كلهم، وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائمًاً إلى جانب مصر»، هكذا قال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في حب مصر، ونحن على هذا الحب باقون. تحية إلى أم الدنيا وعاصمتها القاهرة، وتحية إلى أهلها وناسها الطيبين من الفضاء».

أثر اللقطات والكلمات والمبادرة، بالغ العمق. هذا العمق تعدى حدود المحروسة، ولم يتوقف عند الإمارات، بل تجاوز المنطقة العربية، وطارت الكلمات واللقطات لتجوب أرجاء الكوكب.

أثر اللقطات والكلمات، لن نقول أكبر، بل نقول أسرع وأثقب وأوقع من عشرات التصريحات السياسية، والتقارير الصحافية، والتحليلات الديبلوماسية، على شعوب العالم. لقد نقلت قفزات العرب العلمية، ومكانة مدنهم التاريخية، وطبيعة علاقاتهم ببعضهم البعض، بتغريدة وصورة وكلمات موجزة.

وقبل أيام، حلت الإمارات في المرتبة العاشرة عالمياً والأولى عربياً، على المؤشر العالمي للقوى الناعمة. صحيح أن القياس يعتمد على مؤشرات، مثل السمعة والحوكمة والعلاقات الدولية والتجارة والأعمال والتعليم والعلوم والإعلام والتواصل، والاستدامة والتعداد السكاني، لكن نضيف إليها جائزة أحمد عمر هاشم، وتغريدة النيادي.

الأكثر مشاركة