معظم النار من مستَصغر الشَرر

أقدم شاب صربي قومي (19 عاماً) يدعى غافريلو برينسيب، على إطلاق النار على ولي عهد الإمبراطورية النمساوية الهنغارية الأرشيدوق، فرانز فرديناند، وزوجته، وذلك خلال زيارتهما للعاصمة البوسنية سراييفو في عام 1914 فلقيا حتفهما. وبعد بضعة أسابيع من واقعة الاغتيال تصاعدت حدة الأحداث، ما أدى إلى مواجهات ثم اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي أسفرت شرارتها عن مقتل ملايين الأشخاص، وانهيار ثلاث امبراطوريات أوروبية بنهاية الحرب عام 1918.

وفي تاريخنا العربي، اندلعت حرب داحس والغبراء قبل الإسلام، بسبب رهان على سباق للخيل شارك فيه فرسان (داحس والغبراء) حيث وضع كمين لداحس الأمر الذي أثر على نتيجتها واندلعت الشرارة نفسها في أماكن عديدة لكننا لا نلقى لها بالاً، ثم يقع الفأس بالرأس، قائمة المتضررين لتنشب حرباً ضروساً بين العرب، كالعادة لأبسط الأسباب. وكانت حرب البسوس من أشد الحروب ضراوة حيث قامت بين قبيلتين عربيتين (بكر وتغلب) واستمرت لنحو أربعين عاماً، حيث قيل إنها كانت بسبب مقتل ناقة وقيل إنها جاءت بسبب استبدادية قبيلة تغلب.

وجاءت بواكير ما سمي بـ«الربيع العربي» من تونس عندما صادرت السلطات البلدية عربة الشاب محمد البوعزيزي (27 عاماً) الذي كان يبيع فيها الخضروات والفاكهة، وعندما أبدى اعتراضه قالت له الشرطية بالفرنسية «إرحل» ثم صفعته أمام مرأى ومسمع المارة، لم يتحمل ذلك الموقف ثم أضرم النار في جسده ليتوفى في حادث تناقلته وسائل الإعلام العالمية. بعدها اندلعت أحداث تونس التي أطاحت لاحقاً بالرئيس زين العابدين بن علي، ليتبعها عدد من الاضطرابات في بعض الدول العربية. وقيل إنه قد أطلِق اسم «البوعزيزي» على الشارع الرئيسي في مدينته التي لقي فيها حتفه. المفارقة أن البوعزيزي قد هدد بحرق نفسه، لكن أحداً لم يأخذ على محمل الجد تهديداته، فاندلعت من بعده الأحداث.

والشرارة نفسها تحدث في أماكن عديدة لكننا لا نلقى لها بالاً، ثم يقع الفأس بالرأس، فبعض الجهات لا تعير جوانب الأمن والسلامة اهتماماً يذكر، ومنها مثلاً غياب تفعيل دور الكشف الروتيني على فوهات إطفاء الحريق الحمراء، وهو ما لم يتم على ما يبدو في مدينة سيدي بوزيد حيث أخفق البعض في محاولة إخماد نيران البوعزيزي في تونس لأن بعضها لم يكن يعمل.

والتلوث (أو الشرارة) التي لا نلقي له بالاً يقتل أطفال أوروبا إذ تبين أن تلوث الهواء يقف وراء الوفاة المبكرة للأطفال والمراهقين في أوروبا. وقالت الوكالة الأوروبية للبيئة في دراستها على نحو ثلاثين دولة إن «تلوث الهواء يتسبب في أكثر من 1200 وفاة مبكرة سنوياً في صفوف الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في أوروبا، ويزيد بشكل كبير خطر إصابتهم بأمراض في وقت لاحق من حياتهم»، بحسب جريدة الجريدة.

ويمكن لطائر أو سرب من طيور أن يشعل النيران في محرك طائرة أو يدفعها للهبوط الاضطراري مثلما حدث قبل أيام مع طائرة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 1958 التي أقلعت من مطار جون غلين في كولومبوس متجهة إلى ولاية أريزونا، وبرغم تصاعد أدخنة اللهب إلا أن الطائرة قد تمكنت من العودة بسلام إلى موطنها.

تقول العرب، إن «مُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ»، فما أكثر الأحداث الكبرى التي وقعت بسبب حوادث صغرى لم نعرها اهتماماً يذكر فأدت إلى نهاية مأساوية، فكم من حالات زواج وصلت إلى طريق مسدود (كالطلاق) بسبب تجاهل فضيلة الحوار أو التغافل أو استسهال التدخل الأسري لأتفه الأسباب ثم تكبر كرة الثلج فتندلع نيران الغيرة والمشاكل والهموم.