محمد بن راشد مدرسة وإشعاع

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين نطالع السيرة الذاتية الجميلة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والتي نشرها بعنوان «قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً»، نلاحظ حجم الحضور العميق الكثيف لوالده طيب الذكرى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، باني دبيّ وباعث نهضتها، والرجل السند لمؤسس الدولة، حيث يقدم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد والده الجليل، كمعلم ملهم نادر القدرات، استلهم منه أعمق دروس الحياة، وتعلم منه دروس القيادة الكبرى، التي جعلت منه قائداً فذاً، كان مسؤولاً في بواكير عمره عن حماية الاتحاد الذي بزغ فجره في ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد، وحسبك بهذه المهمة تشريفاً وتكليفاً لهذا الفارس الطالع من صحراء العرب، والممتلئ حماسة لخدمة وطنه، والارتقاء بدولته نحو مصاف الدول المتقدمة.

ولأن البر يأتي بالبر، فإن ما سطره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في حق والده القائد الكبير، ها هو يعود إليه من خلال ما يكتبه أنجاله الكرام، سمو الشيوخ: حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، ومكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي، نائب رئيس الوزراء، وزير المالية، بين الحين والآخر، عن الدروس التي يستلهمونها من مدرسة والدهم، الذي غرس فيهم مناقب الفرسان وقوانين الإدارة، وفي هذا السياق، كتب سموّ الشيخ مكتوم تدوينة في غاية الروعة والإبداع، نشرها على حسابه في «تويتر»، و«إنستغرام» نوّه فيها بالمناقب القيادية لوالده الكبير، الذي تعلم منه دروس الحياة وفنون القيادة وصنع القدوات.

«تعلمت من مدرسة محمد بن راشد: أن الناس لا ينظرون لكلماتك، بقدر ما ينظرون لأفعالك، وأنّ القدوة الإيجابية أفضل معلّم للإنسان»، بهذه الجملة المتوهجة بالصدق والوفاء والذكاء، يفتتح سموّ الشيخ مكتوم بن محمد حديثه عن القيم الكبرى التي تعلمها في مدرسة والده، صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، ليبدّد من خلال هذه الكلمات القليلة، ما ينشأ من الأوهام حول كثرة الكلام، وكأنّ الكلام هو المعيار، ليقول لنا سموّه إنّ المعيار الحقيقي لوزن الحقائق، هو ما يقدّمه الإنسان من الأفعال والإنجازات، وأنّ الأثر العميق الفاعل الذي يتركه الإنسان، هو الشهادة الصادقة على صحة مسلكه وصواب نظرته للحياة، وأنّ الكلام سيبقى مجرد ضوضاء صوتية لا قيمة لها، ما لم تتجسد في أفعال ملموسة، وهو المنهج الذي سلكه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، عبر مسيرة تجاوزت خمسين عاماً من العمل الجاد والإنجاز المتميز، الذي جعل من الوطن عموماً، ومن دبي خصوصاً، منارة إلهام وإبداع، يستلهم منها الناس أصدق دروس الجمع بين القول والعمل، ليكون ذلك هو النموذج الصحيح للحياة التي لا تعترف إلا بالحقيقة المتجسدة على أرض الواقع، وأنّ هذا السلوك الصحيح، هو الذي يصنع القدوات الإيجابية، التي هي أفضل معلّم للناس بالسلوك، وليس بكثرة الكلام ولوك الألفاظ.

«وأنّ القائد الحقيقي ينشر الإيجابية ويقود بالأمل، ويتقن تمكين الآخرين»، وهذا هو الدرس الثاني الذي تعلمه سموّ الشيخ مكتوم في مدرسة والده القائد الكبير، وهو أنّ القائد الحقيقي الذي يستحق هذا الاسم المتفرد، هو الذي ينشر مشاعر الحياة المفعمة بالعطاء والأمل والشعور الإيجابي بالحياة، بحيث يخرج الإنسان من قوقعة الذات الضعيفة المستسلمة، ولأن نظرته للحياة تقوم على الإيجابية التي تقتضي نشر قيم السعادة في المجتمع، فإن ذلك يدفعه، ولا بد، إلى إنشاء القيادات من خلال تمكينها في المواقع القيادية، وإعطائها الفرصة تلو الفرصة كي تنضج على المستويين الإداري والقيادي، مع غرس قيمة تحمل المسؤولية، وأن الإنسان حين يصل إلى منزلة القيادة، سيكون مسؤولاً عن واجباته، بحيث يبذل أقصى جهده في أداء الواجب، والدفع بمسيرة الوطن إلى الأمام.

«تعلمت من مدرسة سموّه، أهمية صناعة القدوات التي تلهم المجتمع وتصنع التغيير»، وهذا البعد في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هو جوهر رؤيته للحياة، فهو لا يؤمن إلا بفكرة فريق العمل، الذي يخوض معركة الحياة من خلال إحساسه العميق بأنّه وصل إلى مرحلة القدوة، وهذا شيء لا يمكن تحقيقه بسهولة، إلا إذا تم صناعة هذه القيادات تحت عين قائد خبير ببناء الروح القيادية، صبور على الأخطاء، حكيم في التوجيه والمساءلة.

«تعلمت أن كل قائد قدوة، وأن الملهمين يبنون العالم بأفكارهم، ويحركونه بأفعالهم»، لأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يفرق بين مفهومي الحاكم والقائد، فقد يكون الحاكم متسلطاً وسبباً لنكبة شعبه، لكن القائد يكون لهم مثل الوالد الذي يقودهم ويعطف عليهم، ولا يتمنى لهم إلا الخير، فلذلك يجب أن يكون قدوة أخلاقية وقيادية، وهو ما ترسخ عليه تاريخ الإمارات منذ نشأة هذه الدولة السعيدة حتى يومنا هذا، بفضل هذا الحس الأخلاقي في القيادة، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم.

Email