حرب أوكرانيا.. غياب المبادرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

بات مما يشبه العرف السياسي تاريخياً، أن تتوازى مع الحروب والأزمات بين أي طرفين، ظهور أطراف ثالثة تطرح مبادرات للحل. وفي العصر السياسي الحديث، أضيفت آلية جديدة لترجمة وتوجيه المبادرات، تتمثل باعتماد الأمم المتحدة مبعوثين خاصين لهذه القضية أو تلك، ثم اتبعت دول كبرى هذا المنهج، وباتت تعين مبعوثين خاصين لمتابعة القضايا الساخنة.

لكن، وخلافاً لما اعتدنا عليه من حروب وأزمات سياسية، لم تحظ حرب أوكرانيا بمبادرة سياسية أو وساطة ثقيلة تدخل على الخط في محاولة للحل، باستثناء المبادرة الصينية التي شككت فيها دول الغرب. باستثنائها لم نر مبادرات ولو من باب رفع العتب، إذا كانت هذه الدولة الوازنة أو تلك تفتقد لتحقيق مصلحة ما من إنهاء الحرب، أو أن مصلحتها تكمن في استمرار الصراع.

في الحرب الروسية الأوكرانية، لا نسمع إلا عن عقوبات متتالية ومتصاعدة ومتوسعة، تفرضها دول الغرب على روسيا، ودفعات جديدة من الأسلحة لأوكرانيا.

هذا له معنى واحد، أن ثمة أطرافاً تعمل على إطالة أمد الحرب بما تعنيه من استنزاف لروسيا عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ما يدعم فرضية الرغبة في إضعاف روسيا من خلال حرب طويلة مترافقة مع عقوبات لم تقتصر على الاقتصاد والتجارة، بل شملت الرياضة والثقافة والأدب والفن.

مع مرور الأيام والأسابيع والشهور، بدأت الأصوات تتعالى في الغرب بأن العقوبات لم تكسر ظهر روسيا، كما أن كميات الأسلحة التي يجري إرسالها بكثافة لم تمكن أوكرانيا من قلب الموازين ميدانياً، إذ إن روسيا أبقت على سيطرتها على حوالي %15 في شرق وجنوب أوكرانيا، بل وتواصل تقدمها في إقليم دونباس الذي أعلنت ضمه ومعه مقاطعتا زابوروجيا وخيرسون.

الغرب يقول علناً إنه يسعى إلى هزيمة روسيا في الحرب، وبعض دوله حين تحاول إظهار بعض الاعتدال تقول إنها لا تريد لروسيا أن تنتصر.

بعض الخبراء العسكريين المتقاعدين في الغرب، ومعهم دبلوماسيون مخضرمون وصحفيون بارزون، ينظرون بخطورة بالغة لمنطق التسليح المتوازي مع غياب المبادرات الدبلوماسية. لكن هؤلاء ينظرون بخطورة أكبر للحديث عن هزيمة روسيا، إذ إنهم يدركون تماماً أن هذا أمر غير واقعي على أية حال، وأن قادة الغرب كذلك يدركون ذلك، حتى لو لم يقولوا.

في قراءة أكثر واقعية وعمقاً يمكن تلخيص الموقف الغربي بخلاصة مقتضبة، مفادها أن الغرب لا يريد لروسيا أن تنتصر، وفي نفس الوقت لا مصلحة له ولا للبشرية بأن «تنهزم».. هذا إذا سلمنا جدلاً بأن الهزيمة تملك نسبة ما من احتمالية الحدوث.

إذا وضعنا هذه الفرضية على الطاولة (هزيمة روسيا)، فإن هذا لاحتمال سيؤدي حتماً إلى حرب عالمية ثالثة، إذ ما فائدة آلاف الرؤوس النووية التي تحتفظ بها روسيا، بكل ما بلغته من جهد وتكاليف إنتاج، ومتى يمكن استخدامها إذن؟، إلا إذا افترضنا أنها أسلحة للاستعراض والتباهي، الأمر الذي حذر الرئيس فلاديمير بوتين من الاعتقاد به، وقد سبق له القول «لا حاجة بنا لعالم ليست فيه روسيا».

هل الغرب له مصلحة في حرب عالمية ثالثة، وهي ستكون نووية بالتأكيد، إن حصلت، ولا نتمنى ذلك؟ الواقع يقول إن الغرب لا يريدها، وهذا يعني أن لا مصلحة له في التفكير بـ «هزيمة روسيا».

كيف ستنتهي الأمور إذن طالما أن لكل حرب نهاية؟. هذا يعتمد على تطورات الميدان، لأن المبادرات ستبقى غائبة، أقله في المدى المنظور.

الأهداف الروسية باتت معروفة ومعلنة، وهي أن انضمام المناطق الست، لروسيا نهائي، وأن الوضع المحايد لأوكرانيا خارج حلف الناتو أمر لا رجعة عنه.

إذن ما يمكن الحديث عنه خارج هذا السياق، هو توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا بأن تعيش بسلام وحالة جوار هادئة، ولا تعود بعد ذلك هدفاً لأي حرب جديدة.

تحقيق هذا السيناريو من عدمه، يعتمد على نتيجة الحرب عسكرياً، مع الأخذ بالاعتبار أن حرب العقوبات الغربية على روسيا لم تحقق أهدافها، باعتراف جهات عديدة، وعلى رأسها البنك الدولي.

Email